صلى الله عليه وآله وسلم مع ما ظهر له من تعشيش الطائر ونسج العنكبوت على بابه لم يثق مع هذه الأمور بالسلامة ولا صدق بالآية وأظهر الحزن والمخافة حتى غلبه بكاءه وتزايد قلقه واضطرابه وابتلى النبي صلى الله عليه وآله في تلك الحال بمماشاته واضطر إلى مداراته ونهاه عن الحزن وزجره ونهى النبي صلى الله عليه وآله وزجره لا يتوجه في الحقيقة إلا إلى القبيح ولا سبيل إلى صرفه إلى المجاز بغير دليل وقد ظهر من جزعه وبكاءه ما يكون في مثله فساد الحال في الاختفاء فهو إنما نهى عن استلزامه ما وقع منه ولو سكن نفسه إلى ما وعد الله تعالى ونبيه صلى الله عليه وآله وسلم وصدقه فيما أخبره به من نجاته لم يحزن حيث يجب أن يكون آمنه ولا انزعج قلبه في الموضع الذي يقتضي سكوته فتدبر.
وأما الثاني فلأن قوله تعالى " ثاني اثنين " بيان حال للرسول صلى الله عليه وآله وسلم باعتبار دخوله الغار ثانيا ودخول أبي بكر أولا كما نقل في السير لا عكس ذلك كما توهموه وعلى التقديرين لا فضيلة فيه لأبي بكر لأنه إخبار عن عدد ونحن نعلم ضرورة أن مؤمنا وكافرا اثنان كما نعلم أن مؤمنا ومؤمنا اثنان فليس في الاستدلال بذكر هذا العدد طائل يعتمد عليه وكذا الاستدلال بما يلزمه من اجتماع أبي بكر مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك المكان لأن المكان يجتمع فيه المؤمنون والكفار وأيضا فإن مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله أشرف من الغار وقد جمع المؤمنين والمنافقين والكفار وفي ذلك قوله تعالى " فما للذين كفروا قبلك مهطعين، عن اليمين وعن الشمال عزين " وأيضا فإن سفينة نوح قد جمعت النبي والشيطان والبهيمة فاستدلالهم بالآية على أن أبا بكر كان ثاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الغار ثم التخطي عنه إلى كونه ثانيا له في الشرف والفضل كما فعله فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير كما ترى، وبالجملة لفظ " ثاني اثنين " في الآية لا يستلزم كون أبي بكر ثاني اثنين للنبي في الشرف لما عرفت من أنه كان متقدما في دخول الغار والحصول فيه والنبي