عندما قال لهم هارون " يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني، وأطيعوا أمري " وبين وقوع الكتمان على هذه الجهة وبين وقوع الكذب فرق واضح وهو أن الكتمان إذا وقع على هذه الجهة وقع شبهة يمكن معها أن يتوهم القوم أنهم على صواب ما والكذب لا يمكن وقوعه من هذه الجهة ألا ترى أنه يمكن للمحتالين من الرؤساء أن يقولوا للقوم الذين سمعوا خبرا أن معنى هذا الكلام وغرض المخاطب لكم به لم يكن ما سبق إلى قلوبكم وقد غلطتم وأخطأتم ونحن أعلم بمراده ومقصوده وإن أنتم لا تقبلوا منا أفسدتم الإسلام فعند ذلك يتمكن الشيطان وينجوا الذين سبقت لهم من الله الحسنى وليس يمكن للرؤساء أن يقولوا لهم تعالوا حتى نتخرص خبرا نصنعه ونذيعه لأنهم إذا قالوا ذلك كشفوا عما يخفيه صدورهم وظهر أمرهم للعامة وتبين نفاقهم فصح بما قررنا أن الكتمان يجوز وقوعه على وجه لا يجوز وقوع الكذب عليه وبالجملة يجوز أن يكون السبب في انقطاع تواتر الخبر أو كتمانه دخول الشبهة لهم في نسخه بما رووه من قوله صلى الله عليه وآله " الأئمة من قريش " أو أن يكون لترك عمل الصحابة بالنص ترجيحا لرأيهم كما وقع عن عمر حيث قال " متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما " وكما قال أبو حنيفة في مقابل نص النبي صلى الله عليه وسلم على مشروعية القرعة في بعض المشتبهات ومشروعية إشعار الهدي في الحج " أن القرعة قمار والأشعار مثلة " أو لطمعهم في ترك النقل التقرب إلى ملوك بني أمية ومن قبلهم ومن بعدهم من الملوك الذين سلكوا مسلكهم في بغض أهل البيت عليهم السلام أو كما قاله النيشابوري الشافعي في تفسير سورة طه من أن الدليل قد يكون في غاية الظهور ومع ذلك يخفى على أعقل الناس كما خفي على آدم عليه السلام عداوة إبليس وأنه تعرض لسخط الله في شأنه حين امتنع من سجوده فكيف قبل وسوسته لولا كتاب من الله سبق
(٢١٢)