التجأ إلى القدح في صحته كما هو دأب قومه وإنما لم يوافقه غيره من المتأخرين في ذلك لما رواه من غاية الشناعة في إنكار صحة ما ملأ به المتقدمون كتبهم ولعمري لو تفطن متقدموهم لذلك لأخفوه ولم يكثروا من ذكره كما هو عادتهم في جحد الحق والشهادة بالباطل كما يشهد به مؤلفاتهم إذ كل ما ندعيه فيه شواهد من كتبهم. نصوص أئمتهم مما لا يقدرون على إنكاره في خيار كتبهم عن خيار مصنفيهم وقد أوضحنا ذلك في هذا التعليق بعون ولي التوفيق ولتوجه الشناعة ترى المتأخرين منهم قد عدلوا عن القدح في صحة سنده إلى القدح في دلالة متنه بالتأويل والتخصيص الذي هو أشنع من الأول كما أتى به هذا الشيخ الجاهل ولا يخفى أنه يظهر مما فعله الآمدي أنه لا يبالي بما في الصحيحين ولا يعتقد صحة ما فيهما من الأحاديث كلا أو بعضا فاحفظ هذا. وأما ما ذكره من " أن الشيعة لا يرون أخبار الآحاد حجة في الإمامة " فهب أن يكون كذلك لكنهم جعلوا الاحتجاج بها إلزاميا لأهل السنة فلا يلزم أن يكون جميع دلائلهم على هذا المطلب تحقيقيا. وأما ما ذكره بعده التنزل فهو أنزل مما تنزل منه لأن ما أتى به فيه من إنكار العموم منع للمقدمة المستدل عليها حيث استدل الخصم على العموم بما نقله من قولهم وإلا لما صح الاستثناء فافهم. وقوله " بل المراد إلى آخره " مردود بأن الكلام في الدلالة لا في الإرادة وأنى له إثبات المراد وكيف يبقى بعد ظهور دلالة اللفظ على عموم المنازل دلالة ظاهرة للفظ الحديث على ما ذكره من التخصيص المخالف للأصل والظاهر. وأما ما ذكره من " أن قول موسى عليه السلام: اخلفني في قومي لا عموم له إلى آخره " ففيه أنه إن لم يكن له عموم بحسب الصيغة لكنه يفيد العموم بحسب العرف كما في قولنا " اللهم وفقنا لما تحب وترضى " فكما أن العرف يفهم ههنا العموم لا طلب التوفيق في وقت دون وقت فكذا فيما نحن فيه يفهم أن المطلوب الخلافة الثابتة مدة حياة الخليفة لا الخلافة المستعقبة للعزل ولأن الغرض من ذلك الاستخلاف رعاية مصالح الرعية
(٢٠٦)