" لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره " ومر أول الفصل الثالث خبر " أنه وعمر كانا يفتيان الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم " وعن تهذيب النووي أن أصحابنا استدلوا على عظيم علمه بقوله: لأقاتلن من فرق من بين الصلاة والزكاة إلى آخره وأن الشيخ أبا إسحق استدل به على أنه أعلم الصحابة لأنهم كلهم وقفوا عن فهم الحكم في المسألة إلا هو ثم ظهر لهم بمباحثته لهم أن قوله هو الصواب.
أقول: عدم القدح في أبي بكر على تقدير ثبوت أهليته للاجتهاد مقدوح من وجوه:
أما أولا فلأنه لا يجوز الاجتهاد على الإمام إذ بالاجتهاد لم يحصل الجزم بأن ما يقوله من عند الله تعالى.
وأما ثانيا فلأن المجتهد قد يخطي فحينئذ يجوز على الإمام الخطأ وذلك ينافي الإمامة لاشتراط العصمة فيها كما برهنا عليه سابقا.
وأما ثالثا فلأنا قد أشرنا فيما مضى إلى أن من شرائط الإمامة العلم بجميع أحكام الدين، وأن ذلك شرط واجب وإلا لانتفى فائدة نصبه بعين ما ذكرناه في اشتراط العصمة بل العصمة تستلزم هذا العلم فمن ظهر منه نقصان في هذا العلم لا يجوز أن يكون إماما وقد ظهر عن أبي بكر في مسائل كثيرة الاعتراف على نفسه بأنه لا يعرف الحكم وقد بين صحابنا رضوان الله عليهم الفرق بين الأمير والحاكم وبين الإمام من حيث كانت ولاية الإمام عامة وولاية من عداه خاصة وبينوا أن الحاكم والأمير يجب أن يكونا عالمين بالحكم في جميع ما أسند إليهما وأن لا يذهب عليهما شئ من ذلك إلا أنه لما كانت ولايتهما خاصة لم يجب أن يكونا عالمين بجميع أحكام الدين والإمام بخلاف ذلك لأن ولايته عامة كنبوة النبي صلى الله عليه وآله ومن كمال النقص واللؤم أن يقوم أحد مقام النبي صلى الله عليه وآله ولا يعلم المسائل الضرورية التي يحتاج إليها الناس.