النبي صلى الله عليه وآله إلا ستة أشهر وكانت إمامته بالسلطنة والملك والغلبة فرق ما بين الفرق والقدم ومع قطع النظر عن علو شأنه في نظر قريش وأنه من حيث إرادتهم دفع علي عليه السلام عن مقامه به ودنو كعب معاوية في نظرهم كان المسلمون حديثي عهد بالجاهلية في زمان أبي بكر وأخويه ولم يكونوا راسخين في الإسلام بل كانوا مستعدين للارتداد وإفناء الإسلام عن أصله بأدنى سبب وأقل فتنة بخلاف الزمان الذي وصل فيه الخلافة إلى علي عليه السلام كما لا يخفى وأيضا من البين أن ما حصل له في أول خلافته من إجماع أكثر المهاجرين وسائر الأنصار وأعراب البوادي والقفار عليه كان وافيا في نظر العقل لدفع معاوية وعزله وإزالة بدعه وتجبره على المسلمين ومخالفته لدين سيد المرسلين لكن عائشة وطلحة والزبير فرقوا جمعيته عليه السلام بالخروج والبغي عليه عند ذلك وجرأوا معاوية أيضا على منازعته والخروج عليه بل كاتبوه والتمسوا منه خروجه من الشام معاونة لهم غاية الأمر أنه أخر الخروج تأنفا عن لزوم متابعتهم ثم خرج مستقلا إلى حرب علي عليه السلام في صفين وكان آثار غلبة علي عليه السلام في طول أيام ذلك الحرب ظاهرة حتى عجز أصحاب معاوية ورفعوا المصاحف على رؤس رماحهم صلحا وشفاعة لكن جماعة من رؤساء عسكر أمير المؤمنين عليه السلام كأشعث بن قيس وعبد الله بن وهب الراسبي وأمثالهما الذين استمالهم معاوية مكرا وخدعة مرقوا عن الدين فقلبوا الأمر وألجأوه عليه السلام إلى قبول الحكمين ومع ذلك حيث لم يتم أمر الحكمين اغتنم معاوية فرصة الهرب إلى الشام ورجع أمير المؤمنين عليه السلام إلى حرب الخوارج المارقين كما فصل في كتب السير والتواريخ وأما ما ذكره من سؤال العباس مبايعته له عليه السلام وعدم قبوله عليه السلام لذلك ففيه أن الوجه فيه أنه عليه السلام كان يعرف باطن الأمر وكلام العباس كان على الظاهر ولا يمتنع أن يغلب في ظنه
(٧٢)