وعلي بل أبو بكر وأبو عبيدة مثلا يقال فيهما ذلك لأن الأمانة التي في أبي عبيدة وخصه بها صلى الله عليه وسلم لم يخص أبا بكر بمثلها فكان خيرا من أبي بكر من هذا الوجه والحاصل أن المفضول قد توجد فيه مزية بل مزايا لا توجد في الفاضل فإن أراد شيخ الخطابي ذلك وأن أبا بكر أفضل مطلقا إلا أن عليا وجدت فيه مزايا لم توجد في أبي بكر فكلامه صحيح وإلا فكلامه في غاية التهافت خلافا لمن انتصر له ووجهه بما لا يجدي بل لا يفهم فإن قلت ينافي ما قدمته من الإجماع على أفضلية أبي بكر قول ابن عبد البر أن السلف اختلفوا في تفضيل أبي بكر وعلي وقوله أيضا قبل ذلك روي عن سلمان وأبي ذر والمقداد وخباب وجابر وأبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم أن عليا أول من أسلم وفضله هؤلاء على غيره قلت: أما ما حكاه أولا من أن السلف اختلفوا في تفضيلهما فهو شئ غريب انفرد به عن غيره ممن هو أجل منه حفظا واطلاعا فلا يعول عليه فكيف والحاكي لإجماع الصحابة والتابعين على تفضيل أبي بكر وعمر وتقديمهما على سائر الصحابة جماعة من أكابر الأئمة منهم الشافعي رضي الله عنه كما حكاه عنه البيهقي وغيره وأن من اختلف منهم إنما اختلف في علي وعثمان وعلي التنزل في أنه حفظ ما لم يحفظ غيره فيجاب عنه بأن الأئمة إنما أعرضوا عن هذه المقالة لشذوذها ذهابا إلى أن شذوذ المخالف لا يقدح فيه أو رأوا أنها حادثة بعد انعقاد الإجماع فكانت في حيز الطرح والرد، على أن المفهوم من كلام ابن عبد البر أن الإجماع استقر على تفضيل الشيخين على الحسنين. وأما ما وقع في طبقات ابن السبكي الكبرى عن بعض المتأخرين تفضيل الحسنين من أنهما بضعة فلا ينافي ذلك لما قدمناه أن المفضول قد توجد فيه مزية لا توجد في الفاضل على أن هذا تفضيل لا يرجع إلى كثرة الثواب بل لمزيد شرف ففي ذات أولاده صلى الله عليه وسلم من الشرف ما ليس في ذات الشيخين ولكنهما أكثر ثوابا وأعظم نفعا للإسلام والمسلمين وأخشى لله تعالى وأتقي ممن عداهما من أولاده صلى الله عليه وسلم فضلا
(٢٥٧)