وأما توقفه في مسألة الجدة إلى أن بلغه الخبر فينبغي سياق حديثه فإن فيه أبلغ أرد على المعترضين أخرج أصحاب السنن الأربعة ومالك عن قبيصة قال:
جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها فقال مالك في كتاب الله وما علمت لك في سنة نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئا فارجعي حتى أسأل الناس فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس فقال أبو بكر هل معك غيرك فقام محمد بن مسلم فقال مثل ما قال المغيرة فأنفذه لها أبو بكر فتأمل هذا السياق تجده قاضيا بالكمال الأسنى لأبي بكر فإنه نظر أولا في القرآن وفي محفوظاته من السنة فلم يجد لها شيئا ثم استشار المسلمين ليستخرج ما عندهم من شئ حفظوه فأخرج له المغيرة وابن مسلم ما حفظاه فقضى به وطلبه انضمام آخر إلى المغيرة احتياط فقط إذ الرواية لا يشترط فيها تعدد على أنه غير بدع من المجتهدان يبحث عن مدارك الأحكام.
أقول: قد عرفت بما قررناه من بطلان جميع ما قرره نفي ذلك الثبوت، وأنه أوهن من نسج العنكبوت، وأما ما ذكره من أن " النهي عن التحريق فيحتمل أنه لم يبلغه " فهو مخالف لما ادعاه سابقا من كمال علم أبي بكر وأما احتماله على نحو غير الزنديق من غير قرينة ظاهرة مقتضية لذلك التأويل الممقوت، فهو من قبيل تأويلات ملاحدة الموت، ولو جاز أمثال هذا التأويل العليل لارتفع الأمان عن دلالة القرآن المبين، وسنن سيد المرسلين، وخرجا عن كونهما دليلا للمحقين، حجة على المبطلين وأما قوله " إن قطعه يسار السارق فيحتمل أنه خطأ من الجلاد " فوجه الخطأ فيه ظاهر فإن قطع يد ذلك السارق لم يكن في خلاء بحيث يكون الجلاد منفردا بل كان في ملأ مشاهد القوم من الصحابة وغيرهم فإذا كان من غلط الجلاد فلم