السيف في يدي وإن منعوني عقالا: قال عمر فوجدته في ذلك أمضى مني وأصرم وأدب الناس على أمور هانت على كثير من مؤنتهم حين وليتهم " فعلم بما تقرر عظم شجاعته ولقد كان عنده صلى الله عليه وسلم وكذلك الصحابة من العلم بشجاعته وثباته في الأمر ما أوجب لهم تقديمه للإمامة العظمى إذ هذان الوصفان هما الأهمان في أمر الإمامة لا سيما في ذلك الوقت المحتاج فيه إلى قتال أهل الردة وغيرهم.
أقول: يتوجه عليه أولا أنه لا دلالة لما ذكره على شجاعة أبي بكر لأن الشجاعة إنما تعرف في الشخص بمبارزته بنفسه إلى الأبطال ومصادفة الرماح ومصافحة السفاح وأن لا يتستر بالعريش ولا يهرب براية رسول الله صلى الله عليه وآله كالإماء ولا يذهب فيها عريضته كما قاله سيد الأنبياء وإنما ثبت في فتوحه صلى الله عليه وآله وسلم وقتال من اتهمهم أبو بكر بالردة الشجاعة لمباشرتها بأنفسهم لا بغيرهم وتوضيح ذلك أن الشجاعة لا تعرف بالحس لصاحبها فقط ولا بادعائها وإنما هي شئ في الطبع يمده الاكتساب والطريق إليها أحد أمرين أما الخبر منها من جهة علام الغيوب فيعلم خلقه حال الشجاع وأما أن يظهر منه أفعال يعلم بها حاله كمبارزة الأقران ومقاومة الشجعان، ومنازلة الأبطال، والصبر عند اللقاء وترك الفرار عند تحقق القتال، ولا يعلم ذلك أيضا بأول وهلة ولا بفعل واحد حتى يتكرر ذلك على حد يتميز به صاحبه ممن حصل له ذلك على وجه الاتفاق أو على سبيل الهوج والجهل بالتدبير وإذا كان الخبر عن الله تعالى بشجاعة أبي بكر معدوما وكان النقل الدال على الشجاعة غير موجود فكيف يجوز لعاقل أن يدعى له الشجاعة بقول قاله ليس له دلالة على شئ من ذلك عند أهل النظر لا سيما ودلائل جبنه وخوفه وضعفه أظهر من أن يحتاج فيها إلى التأمل وذلك أنه لم يبارز قط قرنا ولا قادم قط بطلا ولا سفك