فرضناه سابقا من إن التفاوت بين البقرة في حالتها الطبيعية وبين البقرة المذبوحة هو عشرة دنانير والتفاوت بين القدر على حاله الطبيعي والقدر المكسور خمسة دنانير، فالحالة الطارئة عليهما التي تدعو إلى إيجاد ما يوجب الخسارة المالية بأدنى مستوياتها الممكنة يقتضي تقسيم الخسارة على المالين بملاحظة النسبة بين الضررين لو فرض وقوع الضرر مع كل منهما.
ونظير المقام ما قاله بعض المحققين في مسألة إن المؤونة التي أنفقت على الغنيمة بعد حصولها بحفظ ورعي وجمع وغيرها هل تقدم على الخمس أم لا؟ قال بأن تقديم الخمس على المؤن مخالف للعدل. وربما أورد عليه بأنه لم يعلم في قواعد الفقه قاعدة تسمى بقاعدة العدل وإنما ذلك يشبه الاستحسان الذي هو من مبادئ فقه الحنفية، وقد أجيب عنه بأن قاعدة العدل من أعظم قواعد الفقه وإن لم تكن معنونة في أبوابه كسائر القواعد ويستدل لها من الكتاب بقوله تعالى: ﴿إن الله يأمر بالعدل والاحسان﴾ (١) ولا ريب إن من العدل أن تكون مؤونة المملوك على مالكه ومن البغي أن تحمل مؤونته على غير مالكه.
والظاهر إنه لا ينبغي الاشكال في أصل القاعدة كما دلت عليه الآيات الشريفة كقوله: ﴿وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل﴾ (٢) وقوله تعالى: ﴿وأمرت لأعدل بينكم﴾ (3) إلا إن البحث يقع في أساسه وضابطه الكلي وقد أوضحنا بعض القول فيه في بعض المباحث الأصولية.
الصورة الثالثة: فيما إذا دار الامر بين تضرر شخص والاضرار بالغير