أليق بالقصة، ولا يظن بالصحابة منع الواجب، وعلى هذا فعذر خالد واضح لأنه أخرج ماله في سبيل الله فما بقي له مال يحتمل المواساة بصدقة التطوع، ويكون ابن جميل شح بصدقة التطوع فعتب عليه. وقال في العباس هي علي ومثلها معها، أي أنه لا يمتنع إذا طلبت منه، انتهى كلام ابن القصار. قال القاضي عياض: ولكن ظاهر الأحاديث في الصحيحين أنها في الزكاة لقوله: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عمر على الصدقة وإنما كان يبعث في الفريضة، ورجح هذا النووي.
قوله: فهي علي ومثلها معها مما يقوي أن المراد بهذا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبرهم أنه تعجل من العباس صدقة عامين ما أخرجه أبو داود والطيالسي من حديث أبي رافع: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعمر: إنا كنا تعجلنا صدقة مال العباس عام الأول. وما أخرجه الطبراني والبزار من حديث ابن مسعود أنه صلى الله عليه وآله وسلم تسلف من العباس صدقة عامين وفي إسناده محمد بن ذكوان وهو ضعيف. ورواه البزار من حديث موسى بن طلحة عن أبيه نحوه وفي إسناده الحسن بن عمارة وهو متروك. ورواه الدارقطني من حديث ابن عباس وفي إسناده مندل بن علي والعرزمي وهما ضعيفان، والصواب أنه مرسل، ومما يرجح أن المراد ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو أراد أن يتحمل ما عليه لأجل امتناعه لكفاه أن يتحمل مثلها من غير زيادة، وأيضا الحمل على الامتناع فيه سوء ظن بالعباس.
(والحديثان) يدلان على أنه يجوز تعجيل الزكاة قبل الحول ولو لعامين، وإلى ذلك ذهب الشافعي وأحمد وأبو حنيفة، وبه قال الهادي والقاسم. قال المؤيد بالله: وهو أفضل.
وقال مالك وربيعة وسفيان الثوري وداود وأبو عبيد بن الحرث، ومن أهل البيت الناصر: أنه يجزئ حتى يحول الحول، واستدلوا بالأحاديث التي فيها تعليق الوجوب بالحول وقد تقدمت. وتسليم ذلك لا يضر من قال بصحة التعجيل، لأن الوجوب متعلق بالحول بلا نزاع، وإنما النزاع في الاجزاء قبله.