فيه قالت السنة. وجزم الدارقطني بأن القدر الذي من حديث عائشة قولها لا يخرج وما عداه ممن دونها انتهى. وكذلك رجح ذلك البيهقي، ذكره ابن كثير في الارشاد.
وعبد الرحمن بن إسحاق هذا هو القرشي المدني يقال له عباد. قد أخرج له مسلم في صحيحه ووثقه يحيى بن معين، وأثنى عليه غيره، وتكلم فيه بعضهم. (والحديثان) استدل بهما على أنه لا يجوز للمعتكف أن يخرج من معتكفه لعيادة المريض ولا لما يماثلها من القرب، كتشييع الجنازة وصلاة الجمعة. قال في الفتح: وروينا عن علي عليه السلام والنخعي والحسن البصري إن شهد المعتكف جنازة أو عاد مريضا أو خرج للجمعة بطل اعتكافه، وبه قال الكوفيون وابن المنذر في الجمعة. وقال الثوري والشافعي وإسحاق: إن شرط شيئا من ذلك في ابتداء اعتكافه لم يبطل اعتكافه بفعله وهو رواية عن أحمد انتهى. وعند الهادوية أنه يجوز الخروج لتلك الأمور ونحوها ولكن في وسط النهار، قياسا على الحاجة المذكورة في حديث عائشة المتقدم، وهو فاسد الاعتبار لأنه في مقابلة النص. قوله: ولا يمس امرأة ولا يباشرها المراد بالمباشرة هنا الجماع بقرينة ذكر المس قبلها. وقد نقل ابن المنذر الاجماع على ذلك، ويؤيده ما روى الطبراني وغيره من طريق قتادة في سبب نزول الآية يعني قوله تعالى: * (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) * (البقرة: 187) أنهم كانوا إذا اعتكفوا فخرج رجل لحاجته فلقي امرأته جامعها إن شاء فنزلت. قوله: ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه فيه دليل على المنع من الخروج لكل حاجة، من غير فرق بين ما كان مباحا أو قربة أو غيرهما، إلا الذي لا بد منه كالخروج لقضاء الحاجة وما حكمها. قوله: ولا اعتكاف إلا بصوم فيه دليل على أنه لا يصح الاعتكاف إلا بصوم وأنه شرط، حكاه في البحر عن العترة جميعا وابن عباس وابن عمر ومالك والأوزاعي والثوري وأبي حنيفة، وحكي في البحر أيضا عن ابن مسعود والحسن البصري والشافعي وأحمد وإسحاق أنه ليس بشرط، قالوا: يصح اعتكاف ساعة واحدة ولحظة واحدة، واستدلوا بما تقدم من أنه صلى الله عليه وآله وسلم اعتكف العشر الأول من شوال ومن جملتها يوم الفطر. وبحديث عمر الآتي. وأجابوا عن حديث عائشة المذكور في الباب بما تقدم من الكلام عليه، وهذا هو الحق لا كما قال ابن القيم: أن الراجح الذي عليه جمهور السلف أن الصوم شرط في الاعتكاف. وقد روي عن علي وابن مسعود أنه ليس على المعتكف صوم إلا أن يوجبه على نفسه، ويدل على ذلك