وضرب الأمثال ليكون أوضح وأوقع في نفس السامع، وأقرب إلى سرعة فهمه، وفيه تشبيه ما اختلف فيه وأشكل بما اتفق عليه، وفيه أنه يستحب للمفتي التنبيه على وجه الدليل إذا ترتب على ذلك مصلحة، وهو أطيب لنفس المستفتي وأدعى لاذعانه، وسيأتي مثل هذا في الحج إن شاء الله تعالى. قوله: فجاءت قرابة لهذه الرواية مطلقة، فينبغي أن تحمل على الرواية المقيدة بذكر البنت. قوله: من مات وعليه صيام هذه الصيغة عامة لكل مكلف. وقوله: صام عنه وليه خبر بمعنى الامر تقديره فليصم. (وفيه دليل) على أنه يصوم الولي عن الميت إذا مات وعليه صوم أي صوم كان، وبه قال أصحاب الحديث، وجماعة من محدثي الشافعية، وأبو ثور، ونقل البيهقي عن الشافعي أنه علق القول به على صحة الحديث وقد صح، وبه قال الصادق والناصر والمؤيد بالله والأوزاعي وأحمد بن حنبل والشافعي في أحد قوليه، قال البيهقي في الخلافيات: هذه السنة ثابتة لا أعلم خلافا بين أهل الحديث في صحتها، والجمهور على أن صوم الولي عن الميت ليس بواجب، وبالغ إمام الحرمين ومن تبعه فادعوا الاجماع على ذلك، وتعقب بأن بعض أهل الظاهر يقول بوجوبه، وذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي في الجديد إلى أنه لا يصام عن الميت مطلقا، وبه قال زيد بن علي والهادي والقاسم. وقال الليث وأحمد وإسحاق وأبو عبيد: أنه لا يصام عنه إلا النذر، وتمسك المانعون مطلقا بما روي عن ابن عباس أنه قال: لا يصل أحد عن أحد، ولا يصم أحد عن أحد، أخرجه النسائي بإسناد صحيح من قوله. وروى مثله عبد الرزاق عن ابن عمر من قوله. وبما أخرجه عبد الرزاق عن عائشة أنها قالت: لا تصوموا عن موتاكم وأطعموا عنهم قالوا: فلما أفتى ابن عباس وعائشة بخلاف ما روياه دل ذلك على أن العمل على خلاف ما روياه. قال في الفتح: وهذه قاعدة لهم معروفة، إلا أن الآثار عن عائشة وابن عباس فيها مقال، وليس فيها ما يمنع من الصيام إلا الأثر الذي عن عائشة وهو ضعيف جدا انتهى، وهذا بناء من صاحب الفتح على أن لفظ حديث ابن عباس باللفظ الذي ذكراه هنالك وهو أنه قال: كان لا يصوم أحد عن أحد، ولكنه ذكره في التلخيص باللفظ الذي ذكرناه سابقا، والحق أن الاعتبار بما رواه الصحابي لا بما رآه، والكلام في هذا مبسوط في الأصول، والذي روي مرفوعا صريح في الرد على المانعين، وقد اعتذروا بأن المراد بقوله: صام عنه وليه أي فعل عنه ما يقوم مقام الصوم وهو
(٣٢٠)