لفظ أظل على المجاز وعلى التنزل، فلا يضر شئ من ذلك، لأن ما يؤتى به الرسول على سبيل الكرامة من طعام الجنة وشرابها لا يجري عليه أحكام المكلفين. وقال الزين بن المنير: هو محمول على أن أكله وشربه في تلك الحال كحالة النائم الذي يحصل له الشبع والري بالاكل والشرب، ويستمر له ذلك حتى يستيقظ، فلا يبطل بذلك صومه، ولا ينقطع وصاله، ولا ينقص من أجره. وقال الجمهور: هو مجاز عن لازم الطعام والشراب وهو القوة فكأنه قال: يعطيني قوة الآكل الشارب، وهذا هو الظاهر. قوله: إياكم والوصال وقع في رواية لأحمد مرتين. وفي رواية لمالك ثلاث مرات وإسنادها صحيح. قوله: فأكلفوا بسكون الكاف وبضم اللام أي احملوا من المشقة في ذلك ما تطيقون. وحكى عياض عن بعضهم أنه قال: هو بهمزة قطع ولا يصح لغة. قوله: رحمة لهم استدل به من قال: إن الوصال مكروه غير محرم، وذهب الأكثر إلى تحريم الوصال. وعن الشافعية وجهان: التحريم والكراهة. (وأحاديث) الباب تدل على ما ذهب إليه الجمهور وأجابوا بأن قوله رحمة لا يمنع التحريم، فإن من رحمته لهم أن حرمه عليهم. ومن أدلة القائلين بعدم التحريم ما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه واصل بأصحابه لما أبوا أن ينتهوا عن الوصال، فواصل بهم يوما ثم يوما، ثم رأوا الهلال فقال: لو تأخر لزدتكم كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا، هكذا في البخاري وغيره، وأجاب الجمهور عن ذلك بأن مواصلته صلى الله عليه وآله وسلم بهم بعد نهيه لهم فلم يكن تقريرا بل تقريعا وتنكيلا، واحتمل ذلك منهم لأجل مصلحة النهي في تأكيد زجرهم، لأنهم إذا باشروه ظهرت لهم حكمة النهي، وكان ذلك أدعى إلى قبولهم، لما يترتب عليه من الملل في العبادة والتقصير فيما هو أهم منه وأرجح من وظائف الصلاة والقراءة وغير ذلك. ومن الأدلة على أن الوصال غير محرم حديث الرجل من الصحابة الذي قدمنا ذكره، فإنه صرح بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحرم الوصال. ومنها ما رواه البزار والطبراني من حديث سمرة قال: نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الوصال وليس بالعزيمة ومنها إقدام الصحابة على الوصال بعد النهي، فإن ذلك يدل على أنهم فهموا أن النهي للتنزيه لا للتحريم كما قال الحافظ، وقد ذهب إلى جوازه مع عدم المشقة عبد الله بن الزبير، وروى ابن أبي شيبة عنه بإسناد صحيح أنه كان يواصل خمسة عشر يوما، وذهب
(٢٩٨)