لم يبق لنفسه شيئا أصلا هكذا في الحديث أنه لم يكن له مال غيرهم، وهذا عندنا مردود الفعل صحيحا كان أو مريضا، ولا يجوز لاحد في ماله عتق تطوع. ولا صدقة تطوع. ولا هبة يبت بها إلا فيما أبقى غنى كما قال عليه السلام: (الصدقة عن ظهر غنى) وقد أبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم عتق انسان صحيح لم يكن له مال غيره كما روينا من طريق البخاري. وأحمد بن شعيب قال البخاري: نا عاصم بن علي وقال أحمد: انا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم نا أبى وعمى - هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد - ثم اتفق عاصم. وسعد. ويعقوب أبناء إبراهيم قالوا كلهم: نا ابن أبي ذئب عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رجلا أعتق عبدا له لم يكن له مال غيره فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم وابتاعه منه نعيم بن النحام قال الزهريون في روايتهم: فرده عليه السلام فهذا إسناده كالشمس لا يسع أحدا خلافه، فصح أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رد عتق أولئك الاعبد لان معتقهم لم يكن له مال غيرهم، وكان عتقه عليه السلام لثلثهم والله أعلم كما روى في بعض الأخبار أنه عليه السلام قال لكعب بن مالك إذ جعل على نفسه إذ تاب الله عليه: (يجزيك من ذلك الثلث) وإن كان هذا اللفظ لا يصح لكن أنه عليه السلام قال له: أمسك عليك بعض مالك فأمسك سهمه بخيبر، فقد يكون ذلك المعتق له في أربعة منهم غنى، وبرهان هذا أن الرواية الثانية في ذلك الخبر أنه عليه السلام إنما أعتق اثنين وأرق أربعة ولم يذكر قيمة، والثلث عند المحتجين بهذا الخبر لا يكون هكذا أصلا ولا يكون الا بالقيمة * ووجه رابع وهو أننا روينا هذا الخبر من طريق مسلم نا إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - وابن أبي عمر كلاهما عن الثقفي - هو عبد الوهاب بن عبد المجيد - عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن الحصين أن رجلا أوصى عند موته فاعتق ستة مملوكين لم يكن له مال غيرهم فدعا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم [فجزأهم أثلاثا ثم أقرع بينهم] (1) فأعتق اثنين وأرق أربعة وقال له: قولا شديدا) فصح أن ذلك العتق إنما كان وصية ولا خلاف أنها من الصحيح والمريض سواء لا تجوز إلا بالثلث، فإن كانت الروايتان حديثا واحدا وهو الأظهر الذي لا يكاد يمكن ولا يجوز غيره فقد ارتفع الكلام وبطل تعلقهم به وإن كانا خبرين وهذا ممكن بعيد فكلاهما لنا وموافق لقولنا ومخالف لقولهم، وعلى كل حال فليس في شئ منه ذكر لمرض ولا لفعل في مرض أصلا ولا لان الرد إنما كان لان العتق وقع في مرض وبالله تعالى التوفيق * فبطل عنهم كل ما موهوا به من الآثار التي هم أول مخالف لها وعادت كلها لنا عليهم حجة *
(٣٠٥)