(مسألة) قال (ومن قتل أو أتي حدا في الحرم أقيم عليه في الحرم) وجملته أن من انتهك حرمة الحرم بجناية فيه توجب حدا أو قصاصا فإنه يقام عليه حدها لا نعلم فيه خلافا وقد روى الأثرم باسناده عن ابن عباس أنه قال من أحدث حدثا في الحرم أقيم عليه ما أحدث فيه من شئ وقد أمر الله تعالى بقتال من قاتل في الحرم فقال تعالى (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم) فأباح قتلهم عند قتالهم في الحرم ولان أهل الحرم يحتاجون إلى الزجر عن ارتكاب المعاصي كغيرهم حفظا لأنفسهم وأموالهم واعراضهم فلو لم يشرع الحد في حق من ارتكب الحد في الحرم لتعطلت حدود الله تعالى في حقهم وفاتت هذه المصالح التي لا بد منها ولا يجوز الاخلال بها ولان الجاني في الحرم هاتك لحرمته فلا ينتهض الحرم لتحريم ذمته وصيانته بمنزلة الجاني في دار الملك لا يعصم لحرمة الملك بخلاف الملتجئ إليها بجناية صدرت منه في غيرها (فصل) فاما حرم مدينة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يمنع إقامة حد ولا قصاص لأن النص إنما ورد في حرم الله تعالى وحرم المدينة دونه في الحرمة فلا يصح قياسه عليه وكذلك سائر البقاع لا تمنع من استيفاء حق ولا إقامة حد لأن أمر الله تعالى باستيفاء الحقوق وإقامة الحد مطلق في الأمكنة والأزمنة خرج منها الحرم لمعنى لا يكفي في غيره لأنه محل الانساك وقبلة المسلمين وفيه بيت الله المحجوج وأول بيت وضع للناس ومقام إبراهيم وآيات بينات فلا يلتحق به سواه ولا يقاس عليه ما ليس في معناه والله أعلم.
(٢٣٨)