(فصل) وأما لبينة فلا تكون إلا رجلين عدلين مسلمين يشهدان أنه مسكر ولا يحتاجان إلى بيان نوعه لأنه لا ينقم إلى ما يوجب الحد وإلى ما لا يوجبه بخلاف الزنا فإنه يطلق على الصريح وعلى دواعيه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (العينان تزينان واليدان تزنيان والفرج بصدق ذلك أو يكذبه) فلهذا احتاج الشاهدان إلى تفسيره وفي مسئلتا لا يسمى غير المسكر مسكرا فلم يفتقر إلى ذكر نوعه ولا يفتقر في الشهادة إلى ذكر عدم الاكراه ولا ذكر علمه أنه مسكر لأن الظاهر الاختيار والعلم وما عداهما نادر بعيد فلم يحتج إلى بيانه ولذلك لم يعتبر ذلك في شئ من الشهادات ولم يعتبره عثمان في الشهادة على الوليد بن عقبه ولا اعتبره عمر في الشهادة على قدامة بن مظعون ولا في الشهادة على المغيرة بن شعبة ولو شهدا بعتق أو طلاق لم يفتقر إلى ذكر الاختيار كذا ههنا (مسألة) قال (فإن مات في جلده فالحق قتله يعني ليس على أحد ضمانه) وهذا قول مالك وأصحاب الرأي، وبه قال الشافعي ان لم يزد على الأربعين وان زاد على الأربعين فمات فعليه الضمان لأن ذلك تعزير إنما يفعله الإمام برأيه وفي قدر الضمان قولان (أحدهما) نصف الدية لأنه تلف من فعلين مضمون وغير مضمون فكان عليه نصف الضمان (والثاني) تقسط الدية على عدد الضربات كلها فيجب من الدية بقدر زيادته على الأربعين وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال ما كنت لا قيم حدا على أحد فيموت فأجد في نفسي منه شيئا إلا صاحب الخمر ولو مات وديته، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنه لنا.
ولنا أنه حد وجب لله فلم يجب ضمان من مات به كسائر الحدود وما زاد على الأربعين قد ذكرنا أنه من الحد وإن كان تعزيرا فالتعزير يجب فهو بمنزلة الحد وأما حديث علي فقد صح عنه أنه قال جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وثبت الحد بالاجماع فلم تبق فيه شبهة.