(فصل) وتجوز الشهادة بالحد من غير مدع لا نعلم فيه اختلافا ونص عليه احمد واحتج بقضية أبي بكرة حين شهد هو وأصحابه على المغيرة من غير تقدم دعوى وشهد الجارود وصاحبه على قدامة ابن مظعون بشرب الخمر ولم يتقدمه دعوى، ولان الحد حق لله تعالى فلم تفتقر الشهادة به إلى تقدم دعوى كالعبادات، يبينه أن الدعوى في سائر الحقوق إنما تكون من المستحق وهذا لاحق فيه لاحد من الآدميين فيدعيه، فلو وقعت الشهادة على الدعوى لامتنعت إقامتها. إذا ثبت هذا فإن من عنده شهادة على حد فالمستحب أن لا يقيمها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من ستر عورة مسلم في الدنيا ستره الله في الدنيا والآخرة) وتجوز اقامتها لقول الله تعالى (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) ولان الذين شهدوا بالحد في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم تنكر عليهم شهادتهم به، ويستحب للإمام وغيره التعريض بالوقوف عن الشهادة بدليل قول عمر لزياد: اني لا أرى رجلا أرجو أن لا يفضح الله على يديه رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولان تركها أفضل لم يكن باس بدلالته على الفضل. وقد روي أن رجلا سال عقبة ابن عامر فقال إن لي جيرانا يشربون الخمر فارفعهم إلى السلطان؟ فقال عقبة بن عامر إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من ستر عورة مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة)
(١٨٨)