على رأس امرك فقلت علماني السحر فقالا اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه ففعلت فرأيت كأن فارسا مقنعا في الحديد خرج مني حتى طار فغاب في السماء فرجعت إليهما فأخبرتهما فقالا ذلك إيمانك فذكرت باقي القصة إلى أن قالت والله يا أم المؤمنين ما صنعت شيئا غير هذا ولا أصنعه ابدا فهل لي من توبة قالت عائشة ورأيتها تبكي بكاء شديدا فطافت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم متوافرون تسألهم هل لها من توبة؟ فما أفتاها أحد إلا أن ابن عباس قال لها إن كان أحد من أبويك حيا فبريه وأكثري من عمل البر ما استطعت، وقول عائشة قد خالفها فيه كثير من الصحابة وقال علي رضي الله عنه الساحر كافر ويحتمل ان المدبرة تابت فسقط عنها القتل والكفر بتوبتها ويحتمل انها سحرتها بمعنى انها ذهبت إلى ساحر سحر لها (فصل) وحد الساحر القتل روي ذلك عن عمر وعثمان بن عفان وابن عمر وحفصة وجندب ابن عبد الله وجندب بن كعب وقيس بن سعد وعمر بن عبد العزيز وهو قول أبي حنيفة ومالك ولم ير الشافعي عليه القتل بمجرد السحر وهو قول ابن المنذر ورواية عن أحمد قد ذكرناها فيما تقدم، ووجه ذلك أن عائشة رضي الله عنها باعت مدبرة سحرتها ولو وجب قتلها لما حل بيعها، ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يحل دم امرئ مسلم الا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير حق) ولم يصدر منه أحد الثلاثة فوجب أن لا يحل دمه ولنا ما روى جندب بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (حد الساحر ضربه بالسيف) قال ابن المنذر رواه إسماعيل بن مسلم وهو ضعيف، وروى سعيد وأبو داود في كتابهما عن بحالة قال كنت كاتبا لجزء بن معاوية عم الأحنف بن قيس إذ جاءنا كتاب عمر قبل موته بسنة: اقتلوا كل ساحر فقتلنا ثلاث سواحر في يوم، وهذا أشهر فلم ينكر فكان اجماعا وقتلت حفصة جارية لها سحرتها وقتل جندب بن كعب ساحرا كان يسحر بين يدي الوليد بن عقبة ولأنه كافر فيقتل للخبر الذي رووه (فصل) وهل يستتاب السحر فيه روايتان (إحداهما) لا يستتاب وهو ظاهر ما نقل عن الصحابة فإنه لم ينقل عن أحد منهم انه استتاب ساحرا، وفي الحديث الذي رواه هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ان الساحرة سألت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم متوافرون هل لها من توبة فما أفتاها أحد، ولان السحر معنى في قبله لا يزول بالتوبة فيشبه من لم يثب (والرواية الثانية) يستتاب فإن تاب قبلت توبته لأنه ليس بأعظم من الشرك والمشرك يستتاب ومعرفته السحر لا تمنع قبول توبته فإن الله تعالى
(١١٦)