(مسألة) قال (ومن قتل أو أتي حدا خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم لم يبايع ولم يشار حتى يخرج من الحرم فيقام عليه الحد) وجملته ان من جنى جناية توجب قتلا خارج الحرم ثم لجاء إليه لم يستوف منه فيه، وهذا قول ابن عباس وعطاء وعبيد بن عمير والزهري ومجاهد وإسحاق والشعبي وأبي حنيفة وأصحابه واما غير القتل من الحدود كلها والقصاص فيما دون النفس فعن أحمد فيه روايتان (إحداهما) لا يستوفى من الملتجئ إلى الحرم فيه (والثانية) يستوفى وهو مذهب أبي حنيفة لأن المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن القتل بقوله عليه السلام (فلا يسفك فيها دم) وحرمة النفس أعظم فلا يقاس غيرها عليها ولان الحد بالجلد جرى مجرى التأديب فلم يمنع منه كتأديب السيد عبده والأولى ظاهر كلام الخرقي وهي ظاهر المذهب قال أبو بكر هذا مسألة وجدتها مفردة لحنبل عن عمه ان الجدود كلها تقام في الحرم الا القتل والعمل على أن كل جان دخل الحرم لم يقم عليه حد جنايته حتى يخرج منه، وان هتك حرمة الحرم بالجناية فيه هتكت حرمته بإقامة الحد عليه فيه، وقال مالك والشافعي وابن المنذر يستوفى منه فيه لعموم الامر بجلد الزاني وقطع السارق واستيفاء القصاص من غير تخصيص بمكان دون مكان، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (الحرم لا يعيذ عاصيا ولا فارا بجزية ولا دم) قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل ابن حنظل وهو متعلق بأستار الكعبة حديث حسن صحيح ولأنه حيوان أبيح دمه لعصيانه فأشبه الكلب العقور ولنا قول الله تعالى (ومن دخله كان آمنا) يعني الحرم بدليل قوله (فيه آيات بينات مقام إبراهيم) والخبر أريد به الامر لأنه لو أريد به الخبر لافضى إلى وقوع الخبر خلاف المخبر وقال النبي صلى الله عليه وسلم (ان الله حرم مكة ولم يحرمها الناس فلا يحل لامرئ مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما ولا يعضد بها شجرة فإن أحد ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإنما اذن لي ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد الغائب، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (ان الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض وإنما أحلت لي ساعة من نهار ثم عادت إلى حرمتها فلا يسفك فيها دم) متفق عليهما فالحجة فيه من وجهين (أحدهما) أنه حرم سفك الدم بها على الاطلاق وتخصيص مكة بهذا يدل على أنه أراد العموم فإنه لو أراد سفك الدم الحرام لم يختص
(٢٣٦)