ثم يقلب بقية ماء الكافور، ويغسل الأواني، ويطرح فيها ماء القراح، ويغسله الغسلة الثالثة مثل ذلك بالماء القراح، ويمسح الغاسل يده على بطنه في الغسلتين الأولتين، ولا يمسح في الغسلة الثالثة، وقد ذكرنا طرفا من ذلك فيما مضى، وأعدناه هاهنا للبيان، وكلما قلبه استغفر الله وسأله العفو، ثم ينشفه بثوب نظيف.
ويغتسل الغاسل فرضا واجبا إما في الحال أو فيما بعد، فإن مس مايعا قبل اغتساله وخالطه لا يفسده ولا ينجسه، وكذلك إذا لاقى جسد الميت من قبل غسله إناء ثم أفرغ في ذلك الإناء قبل غسله مايع فإنه لا ينجس ذلك المايع، وإن كان الإناء يجب غسله، لأنه لاقى جسد الميت، وليس كذلك المايع الذي حصل فيه، لأنه لم يلاق جسد الميت وحمله على ذلك قياس، وتجاوز في الأحكام بغير دليل، والأصل في الأشياء الطهارة، إلى أن يقوم دليل قاطع للعذر، وإن كنا متعبدين بغسل ما لاقى جسد الميت، لأن هذه نجاسات حكميات، وليست عينيات، والأحكام الشرعيات نثبتها بحسب الأدلة الشرعية.
ولا خلاف أيضا بين الأمة كافة إن المساجد يجب أن تنزه، وتجنب النجاسات العينيات، وقد أجمعنا بلا خلاف ذلك بيننا على أن لمن غسل ميتا أن يدخل المسجد، ويجلس فيه، فضلا عن مروره، وجوازه، ودخوله إليه، فلو كان نجس العين لما جاز ذلك وأدى إلى تناقض الأدلة.
وأيضا فإن الماء المستعمل في الطهارة على ضربين، ماء استعمل في الصغرى والآخر في الكبرى، فالماء المستعمل في الصغرى لا خلاف بيننا أنه طاهر مطهر، والماء المستعمل في الطهارة الكبرى الصحيح عند محققي أصحابنا أنه أيضا طاهر مطهر، ومن خالف فيه من أصحابنا قال: هو طاهر يزيل به النجاسات العينيات ولا يرفع به الحكميات، فقد اتفقوا جميعا على أنه طاهر، ومن جملة الأغسال والطهارات الكبار: غسل من غسل ميتا، فلو نجس ما يلاقيه من المايعات، لما كان الماء الذي قد استعمله في غسله وإزالة حدثه طاهرا