الصراط المستقيم الثامن صراط الذين أنعمت عليهم التاسع غير المغضوب عليهم ولا الضالين فالخاسر الساهي عن صلاته من لم يحضر مع الله في قسم واحد من هذه الأقسام التي ذكرناها في الفاتحة وهي التي ذكر الله في القبول من العشر إلى النصف فمن رأى أن بسم الله الرحمن الرحيم آية منها ولا يفصلها عنها فالقسمة على ما ذكرناه في الفاتحة فإن حكم الله في الأشياء حكم المجتهد فهو معه في اجتهاده ومن أداه اجتهاده إلى الفصل ففصل البسملة عن الفاتحة وإن البسملة ليست آية منها جعل الله له الجزء التاسع ولا الضالين والبسملة أحق وأولى فإنها من القرآن بلا شك عند العلماء بالله وتكرارها في السور مثل تكرار ما يكرر في القرآن من سائر الكلمات وما زاد على التسعة فعقله في التلاوة حروف الكلمة فقد يعقل المصلي حرفا من حروف الكلمة ثم يغفل عن الباقي فهذا معنى قوله ص العام إنه لا يقبل إلا ما عقل منها فالعاقل من أتى بها كاملة ليقبلها الله كاملة ومن انتقص منها شيئا في صلاته جبرت له من قراءته الفاتحة في نوافله من الصلاة فليكثر من النوافل فإن لم تف قراءتها في النوافل بما نقصه من قراءة الفاتحة في الفريضة أكملت له من تلاوته بحضور في غير الصلاة المعينة وإن كان في جميع أفعاله في صلاة فإنه قد يكون من الذين هم على صلاتهم دائمون وهم الذاكرون الله في كل أحيانهم فهم يناجونه في جميع الأحوال كلها فحظ الله من جميع ما كلف عباده به ما فرض عليهم ونصيب العباد من الله ما أوجبه الحق لهم على نفسه والنافلة للنافلة في كل ذلك وأما حظ الرسول ص من هذه المسألة بتصديقه والايمان به وبما جاء به فمما يحققه الايمان أن خير الأزمان زمان الصلاة والآذان وخير الشفاعة والكلام ما أذن فيهما الرحمن هذا مما جاء به رسول الحق إلينا ووفد به مقبلا علينا فتدلى حين تجلى وما أصعقه بل أيقظه من تجلى ليتجلى فاقبل وما أعرض وتولى فأما التصديق به فلخبر الحق بأنه رسول منه إلينا وهو الوجيه المقرب وأما الايمان بما جاء به فلإخباره عن الحق ففرق بين إخبار الحق في الايمان به وبين إخباره عن الحق فيما جاء به فلا يؤمن به إلا من خاطبه الحق في سره وإن لم يشعر به المخاطب ولا يعرف من كلمه وإنما يجد التصديق به في قلبه وأهل الكشف والحضور يعرفون عن سماع بأذان وقلوب كلام الحق بأن هذا رسول من عنده فيؤمنون به على بصيرة ولا يؤمن بما جاء به هذا الرسول إلا من خاطبه الرسول في سره وإن لم يشعر به المخاطب ولا يعرف من كلمه وإنما يجد التصديق بما جاء به في قلبه وأهل الكشف والحضور يعرفون عن سماع بقلوب وآذان وأبصار كلام الرسول بأن هذا جاء من عند الله ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا فيؤمنون به على بصيرة وإنما قلنا فيما جاء به الرسول وأبصار ولم نقل ذلك في سماع كلام الحق لأن الرسول إذا رأيناه فقد رأيناه والحق تعالى ليس كذلك إذا رأيناه فما رأيناه إلا منزلتنا وصورتنا منه فلهذا لم نقل في تصديق خبره إذا كلمنا وأبصار وما جئنا بالقلوب والآذان إلا لمجرد الخبر خاصة لا لكون الحق تكلم به فإن إدراك القلوب والآذان والأبصار للحق على السواء ما أدرك واحد من العالم أي إدراك كان من هذا وغيره إلا منزلته من الحق وصورته خاصة فما أدركه فذكرنا القلوب من كونها سامعة والآذان للخبر خاصة تنبيها على ما ذكرناه وبيناه فإذا علمت هذا فقد وفيت الله والرسول ما تعين عليك من الحق أن تؤديه لله ولرسوله فإن هذه المسألة غلط فيها جماعة من أهل الله إذ لم يخبروا بها عن الله فكيف علماء الرسوم فمن تكلم فيها من طريق الايمان فلا يتكلم فيها إلا بما تكلمنا به فإنه يتكلم عن ذوق ولهذا ترى شخصين بل ثلاثة أشخاص يشهدون المعجزة على يدي الرسول الذي أبرزها الحق في معرض الدلالة على صدقه فيما جاء به والتصديق به نفسه فشخص من الثلاثة يتيقن أنه الحق وجحده والشخص الثاني لم تقم عنده تلك الدلالة لجهله بموضع الدلالة منها والثالث آمن وصدق والمجلس واحد والنظر بالبصر واحد والإدراك في الظاهر واحد فعلمنا إن الذي آمن وصدق لولا تجلى الحق لقلبه وتعريفه إياه بغير واسطة ما آمن بما جاء به ولا صدق وكان مثل صاحبه وكذلك في إيمانه بما جاء به فما كل مؤمن يعرف من أين حصل له الايمان ولا سيما وقد رأينا وبلغ إلينا أن بعض من آمن برسول الله عند ما رآه وسمع دعوته ولم ير له معجزة ولا دلالة بل وجد في نفسه أنه صادق في دعواه فآمن به من حينه وما تلكأ ولا تلعثم فما كان
(٤٧٩)