بينهم وبين طلب غاية الطريق إذ لا تسلك الطريق إلا إلى غاياتها والمقصود معهم وهو الرفيق فلا سالك ولا مسلوك فتذهب الإشارات وليست سواه وتطيح العبارات وما هي إلا إياه فلا ينكر على العارف ما يهيم فيه من العالم وما يتوهمه من المعالم ولولا إن هذا الأمر كما ذكرناه ما أحب نبي ولا رسول أهلا ولا ولدا ولا آثر على أحد أحدا وذلك لتفاضل الآيات وتقلب العالم هو عين الآيات وليست غير شؤون الحق التي هو فيها وقد رفع بعضها فوق بعض درجات لأنه بتلك الصورة ظهر في أسمائه فعلمنا تفاضل بعضها على بعض بالعموم والخصوص فهو الغني عن العالمين وهو القائل وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون فأين الخالق من الغني وأين القابض منه والمانع وأين العالم في إحاطته من القادر والقاهر فهل هذا كله إلا عين ما وقع في العالم فما تصرف رسول ولا عارف إلا فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون وذلك لأن من الناس من في أذنه وقر وعلى بصره غشاوة وعلى قلبه قفل وفي فكره حيرة وفي علمه شبهة وبسمعه صمم ووالله ما هو هذا كله عند العارف إلا للقرب المفرط ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وأين الوسوسة من الإلهام وأين اسم الإنسان من اسم العالم فمن ليلى ومن لبنى * ومن هند ومن بثنه * ومن قيس ومن بشر * أليسوا كلهم عينه لقد أصبحت مشغوفا * به إذا كان لي كونه * فكل الخلق محبوبي * فأين مهيمي أينه فمن يبحث على قولي * يجد في بينه بينه وأما أهل الجمال العرضي والحب العرضي فظل زائل وغرض مائل وجدار مائل بخلاف ما هو عند العلماء بالله فإن الظل عند العالم بالله ساجد والعارض للوجود مستعد والجدار لم يمل إلا عبادة ليظهر ما تحته من كنوز المعارف التي يستغني بها العارف الواقف فخلق الله الغيرة في صورة الخضر فأقامه من انحنائه لما علم إن الأهلية ما وجدت في ذلك الوقت في رب المال فيقع التصرف فيه على غير وجهه ولتعلمن نبأه بعد حين فلو ظهر اتخذ عبثا وعاثت فيه الأيدي فسبحان واضع الحكم وناصب الآيات ومظهر جمال الدلالات ومن أجملها عينا وأكملها كونا عالم الخيال وبه ضرب الله الأمثال وبين تعالى أنه المنفرد بعلمه فإنه قال ناهيا فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون وما جاء بهذه الآية إلا عند ما ضرب لنا الأمثال منه فظهر للكون وهو مقدمته ألا ترى الرؤيا وبعينها يدرك الخيال يرى ما يكون قبل كونه وما كان وما هو الوقت عليه وأي حضرة تجد فيها هذه الجمعية إلا حضرة الخيال وكل من تعشق بأمر ما فما تعشق به إلا بعد أن حصله في خياله وجعل له في وهمه مثالا وطبق محبوبه على مثاله ولو لم يكن الأمر كذلك لكان إذا فارقه من تعلق بصره به أو سمعه أو شئ من حواسه فارق التعلق به ونحن لا نجد الأمر كذلك فدل على إن المحبوب عند المحب على مثال صورة وأنشأه في خياله فلزم مشاهدته فتضاعف وجده وتزايد حبه وصار ذلك المثال الذي صوره يحرض مصوره على طلب من صوره على صورته فإن ذلك الأصل هو روح هذا الخيال وبه بقاؤه وهو الذي يحفظه وما اشتد حب المحب إلا في صنعته وفعله فإن الصورة التي تعشق بها في خياله هي من صنعته فما أحب إلا ما هو راجع إليه فبنفسه تعلق وعلى فعله أثنى فمن علم هذا علم حب الله عباده وأنه تعالى أشد حبا فيهم منهم فيه بل لا يحبونه عينا وإنما يحبون إحسانه فإن الإحسان هو مشهودهم ومن أحبه عينا فإنما أحب مثالا صوره في نفسه وتخيله وليس إلا المشبهة خاصة فكل محب فلو لا التشبيه ما أحبه ولولا التخيل ما تعلق به ولهذا جعله الشارع في قبلته ووسعه قلب عبده وجعله من القرب به كهو أو كبعض أجزائه فمثل هؤلاء عبدوه مثلا وشاهدوه محصلا وأما المنزهة فحائرة في عمياء يخبطون فيها عشوي لا ظل في ظلمتها ولا ما يمنعهم الدليل من التشبيه وما ثم إيمان يفوق نوره نور الأدلة حتى يدرجها فيه فلا يزال المنزه غير قابض على شئ ولا محصل لأمر فهم أهل البت لأن همهم متفرق والوهم منهم بعيد فنقصهم من كمال معرفة الوجود حكم الأوهام فيهم ولا حكم للأوهام إلا في الكمل من الرجال ولهذا جاءت الشرائع في الله بما تحيله الأدلة فمن تقوى نور إيمانه على نور عقله كما تقوى نور الشمس على نور غيره من الكواكب فما أذهب عين أنوارها وإنما أدرجها في نوره فالعالم مستنير كله بنور الشمس ونور الكواكب ولكنهم لا يبصرون إلا نور الشمس ولا يبصرون المجموع كذلك الكامل من
(٤٥٠)