خرجوا منها إلى الجنة فمستهم النار بقدر خطاياهم مع كونهم أماتهم الله فيها إماتة فإن أولئك ليست النار منزلا لهم يعمرونه ويقيمون فيه مع أهليهم وإنما النار لهؤلاء منهل من المناهل التي ينزلها المسافر في طريقه حتى يصل إلى منزله الذي فيه أهله فهذا معنى الحكمة والتفصيل فإن الأمور أعني الممكنات متميزة في ذاتها في حال عدمها ويعلمها الله سبحانه وعلى ما هي عليه في نفسها ويراها ويأمرها بالتكوين وهو الوجود فتتكون عن أمره فما عند الله إجمال كما أنه ليس في أعيان الممكنات إجمال بل الأمر كله في نفسه وفي علم الله مفصل وإنما وقع الإجمال عندنا وفي حقنا وفينا ظهر فمن كشف التفصيل في عين الإجمال علما أو عينا أو حقا فذلك الذي أعطاه الله الحكمة وفصل الخطاب وليس إلا الرسل والورثة خاصة وأما الحكماء أعني الفلاسفة فإن الحكمة عندهم عارية فإنهم لا يعلمون التفصيل في الإجمال وصورة ذلك كما يراه صاحب هذا المقام الذي أعطاه الله الحكمة التي عنده عناية إلهية وهي عند الحق تعيين الأرواح الجزئية المنفوخة في الأجسام المسواة المعدلة من الطبيعة العنصرية من الروح الكل المضاف إليه ولذلك ذكر أنه خلقها قبل الأجسام أي قدرها وعينها الكل جسم وصورة روحها المدبر لها الموجود بالقوة في هذا الروح الكل المضاف إليه فيظهر ذلك في التفصيل بالفعل عند النفخ وذلك هو النفس الرحماني لصاحب الكشف فيرى في المداد الذي في الدواة جميع ما فيه من الحروف والكلمات وما يتضمنه من صور ما يصورها الكاتب أو الرسام وكل ذلك كتاب فيقول في هذا المداد من الصور كذا وكذا صورة فإذا جاء الكاتب والرسام أو الرسام دون الكاتب أو الكاتب دون الرسام بحسب ما يذكره صاحب الكشف فيكتب بذلك المداد ويرسم جميع ما ذكره هذا المكاشف بحيث لا يزيد على ذلك ولا ينقص ولا يدرك ذلك هذا المسمى في عرف العقلاء حكما فهذا حظ أهل الكشف فهم الذين أعطاهم الله الحكمة وفصل الخطاب وقد أمرنا رسول الله ص أن نعطي كل ذي حق حقه ولا نفعل ذلك حتى نعلم ما يستحقه كل ذي حق من الحق وليس إلا بتبيين الحق لنا ذلك ولذلك أضافه إليه تعالى فقال وآتيناه الحكمة ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا فما يعلمها إلا من أوتيها فهي هبة من الله تعالى كما وهبنا وجود أعياننا ولم نكن شيئا وجوديا فالعلم الإلهي هو الذي كان الله سبحانه معلمه بالإلهام والإلقاء وبإنزال الروح الأمين على قلبه وهذا الكتاب من ذلك النمط عندنا فوالله ما كتبت منه حرفا إلا عن إملاء إلهي وإلقاء رباني أو نفث روحاني في روع كياني هذا جملة الأمر مع كوننا لسنا برسل مشرعين ولا أنبياء مكلفين بكسر اللام اسم فاعل فإن رسالة التشريع ونبوة التكليف قد انقطعت عند رسول الله محمد ص فلا رسول بعده ص ولا نبي يشرع ولا يكلف وإنما هو علم وحكمة وفهم عن الله فيما شرعه على السنة رسله وأنبيائه عليهم سلام الله وما خطه وكتبه في لوح الوجود من حروف العالم وكلمات الحق فالتنزيل لا ينتهي بل هو دائم دنيا وآخرة الله أنشأ من طي وخولان * جسمي فعدلني خلقا وسواني وأنشأ الحق لي روحا مطهرة * فليس بنيان غيري مثل بنياني إني لا عرف روحا كان ينزل بي * من فوق سبع سماوات بفرقان نريد قوله تعالى إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا وما أنا مدع في ذاك من نبأ * من الإله ولكن جود إحسان إن النبوة بيت بيننا غلق * وبينه موثق بقفل إيمان وإنما قلنا ذلك لئلا يتوهم متوهم إني وأمثالي وادعى نبوة لا والله ما بقي إلا ميراث وسلوك على مدرجة محمد رسول الله ص خاصة وإن كان للناس عامة ولنا ولأمثالنا خاصة من النبوة ما أبقى الله علينا منها مثل المبشرات ومكارم الأخلاق ومثل حفظ القرآن إذا استظهره الإنسان فإن هذا وأمثاله من أجزاء النبوة المورثة ولذلك كان أول إنسان أنشأه الله وهو آدم نبيا من مشى على مدرجته بعد ذلك فهو وارث لا بد من ذلك بهذه النشأة الترابية وأما في المقام فآدم ومن دونه إنما هو وارث محمد ص لأنه كان نبيا وآدم بين الماء والطين لم يكن بعد موجودا فالنبوة
(٤٥٦)