هذا الإنزال والوحي فمنه ما ذكره مثل قوله وأوحى ربك إلى النحل وقالت نملة يا أيها النمل وقال الهدهد لسليمان ع أحطت بما لم تحط به وقد قال النبي ص في المجتهدين ما قال وما فرض لهم الإصابة في كل ما اجتهدوا فيه وإنما فرض لهم الأجر في ذلك أصابوا أم أخطئوا وفضل بين المصيب والمخطئ في الأجر وهذه نيابة عجيبة رفيعة المقدار لا يعلمها كل أحد وأما النيابة الثامنة التي شفعت وترية الحق من حيث إنه تعالى مجلي لها وهي مجلي له فهو ينظر نفسه فيها نظر كمال وهي تنظر نفسها فيه نظر كمال وذلك راجع إلى ما هو عليه الحق تعالى من الأسماء الإلهية فلا تظهر هذه الصورة إلا في مرآة الإنسان الكامل الذي هو ظله الرحماني فنصب له عرشا استوى عليه على التقابل من عرشه المنسوب إليه بحكم الاستواء عليه ومثاله ما وصف الحق به أهل الجنة متكئين على سرر متقابلين أي يقابل بعضهم بعضا والاتكاء الاعتماد بصفة الجبروت فاتكاء الحق عليه فيما ظهر من الحق وبطن من الإنسان الكامل فإنه يعلو على متكئه والإنسان الكامل يتكي أيضا على ربه فيما يظهر به الإنسان من النيابة حين يبطن الحق فيها فتنسب المشاهدة وما يشهد إلى الشاهد لا إلى أمر آخر كما ينسب في حضرة الأفعال الفعل بالعوائد إلى المخلوق والحق مبطون فيه وينسب الفعل بخرق العادة إلى الله لا إلى المخلوق لأنه خارج عن قدرة المخلوق فيظهر الحق وإن كان لا يظهر إلا في الخلق وإنما ثنى الخلق وجود الحق لأن كل حقيقة تعقل للحق لا تعقل مجردة عن الخلق فهي تطلب الخلق بذاتها فلا بد من معقولية حق وخلق لأن تلك الحقيقة الإلهية من المحال أن يكون لها تعلق أثري في ذات الحق ومن المحال أن تبقي معطلة الحكم لأن الحكم لها ذاتي فلا بد من معقولية الخلق سواء اتصف بالوجود أو بالعدم فإن ثبوت عينه في العدم به يكون التهيؤ لقبول الآثار وثبوته في العدم كالبزرة لشجرة الوجود فهو في العدم بزرة وفي الوجود شجرة ثبوت العين في الإمكان بزر * ولولا البزر لم يك ثم نبت ظهوري عن ثبوتي دون أمر * إلهي محال حين كنت وإذ والأمر على ما ذكرناه فما في العلم إلا الشفع وهو تثنية الجمع لأن الحقائق الإلهية كثيرة والمحققات على قدرها أيضا فثنت المحققات الحقائق في العلم وإن لم تتصف بالوجود العيني فلو لا ثبوت العين ما كان مشهودا * ولا قال كن كونا ولا كان مقصودا فما زال حكم العين لله عابدا * وما زال كون الحق للعين معبودا فلما كساه الحق حلة كونه * وقد كان قبل الكون في الكون مفقودا تكونت الأحكام فيه بكونه * فما زال سجادا فقيدا وموجودا ولما ظهر حكم تثنية الأمر المعلوم في نفسه لم يصح إلا بالمثلية لا غيرها لأنه لو لم يكن مثلا ما عمه بذاته ولا قابلة وليس إلا الإنسان الكامل أو مجموع العالم بالإنسان فالإنسان لا بد منه فلنقتصر عليه وحكم الثبوت بين الله والإنسان الكامل خلاف حكم الوجود فبحكم الوجود يكون الإنسان هو الذي ثنى وجود الحق وليس لحكم الثبوت هذا المقام فإن الحق والخلق معا في الثبوت وليس معا في الوجود فلما كان الأمر في الثبوت على السواء أعطيناه صورة الاعتدال وعدم الميل إلى أحد الجانبين وهذه هي المنزلة الرفيعة المنار العامة الآثار فإذا ظهر الحق في الصور لم تقم المثلية الاعتدالية فكان المثل بحسب الصورة المتجلي فيها فإن كانت صورة روحية ينسب إليها ما هي عليه الأرواح من الحكم وإن كانت صور ة جسمية ينسب إليها ما هي عليه صور الأجسام الظاهرة من الحكم وهو اتصافه بالأوصاف الطبيعية من تغير الأحوال في الغضب والرضي والفرح والنزول والهرولة فإذا أثبت لك الحق عن نفسه أمرا ما فانظر فيما أثبته لأي صورة هو فاحكم عليه بحكم ما هو به لتلك الصورة وما ثم إلا مثل أو غير مثل فهذا حكم هذه النيابة الثامنة قد استوفيناه وأما النيابة التاسعة فهي الظهور في البرزخ المعقول الذي بين المثلين وهو الفصل الذي يكون بين الحق والإنسان الكامل فإن هذا الفصل أوجب تميز الحق من الخلق فينظر بمن هو أليق وموضعه في ضرب المثال الظل الذي في الشخص الممتد عنه الظل الممدود فالظل القائم به بين الشخص والظل الممدود المنفصل عنه ذلك هو البرزخ وهو بالشخص القائم ألصق فهو به
(٢٨٦)