ما أنزله الله وجهل الحقائق فلا بد للنائب إذا تكلم أن يضاف إليه الكلام على ما قلناه وأن يكون هذا النائب يفصل بذاته بين كل حرفين وكلمتين لتوجد الثانية وتتعلق بها الأولى حتى ينتظم به ما يريد إظهاره للمصلحة التي يعلمها فدل بكلامه على ما في نفسه وما كل من سمع بسمعه عقل جميع ما أراده المتكلم أو بعضه إلا من نور الله بصيرته ولهذا قد يكون حظ السامع من كلام المتكلم ترتيب حروفه من غير أن يعقل ما أراده المتكلم بما تكلم به ويظهر ذلك في السامع إذا كان المتكلم يكلمه بغير لحنه ولغته فإنه لا يفهم منه سوى ما يتعلق به سمعه من ترتيب حروفه فهو التعلق العام من كل سامع ولكن لا يعلم ما أريدت له هذه الكلمات كذلك العالم كله لا يعرف من الموجودات التي هي كلمات الله إلا وجود أعيانها خاصة ولا يعلم ما أريدت له هذه الموجودات إلا أهل الفهم عن الله والفهم أمر زائد على كونه مسموعا فكما ينوب العبد الكامل الناطق عن الله في إيجاد ما يتكلم به بالفصل بين كلماته إذ لولا وجوده هناك لم يصح وجود عين الكلمة والحرف كذلك ينوب أيضا في الفهم في ذلك مناب الحق في قوله ولنبلونكم حتى نعلم فوصف نفسه بأنه يبلو ليعلم في المستأنف وهذه كلها نيابة أحدية لا نيابة غير الأحدية من حيث إن لها القيومية على أعيان الموجودات بما هي الموجودات عليه من الكسب إذ هو القائم على كل نفس بما كسبت وكل نفس بما كسبت رهينة أي قيدها كسبها فلو لا الحق ما تميزت الموجودات بعضها عن بعض ولكان الأمر عينا واحدا كما هو من وجه آخر مثال ذلك إن الإنسان من حيث حده الشامل لآحاده واحد العين فإن الآحاد كلها عين واحدة من حيث إنسانيتها مع علمنا بأن زيدا ما هو عين عمرو ولا عين غيره من أشخاص الأناسي فعين تمييز الحق لها وجودها وعين تمييز بعضها عن بعض فلأنفسها ولذلك لم تزد كلمة الحضرة في كل كائن عنها على كلمة كن شيئا آخر بل انسحب على كل كائن عين كن لا غير فلو وقفنا مع كن لم نر إلا عينا واحدة وإنما وقفنا مع أثر هذه الكلمة وهي المكونات فكثرت وتعددت وتميزت بأشخاصها فلما اجتمعت في عين حدها علمنا إن هذه الحقيقة وجدت كلمة الحق فيها وهي كلمة كن وكن أمر وجودي لا يعلم منه إلا الإيجاد والوجود ولهذا لا يقال للموجود كن عدما ولا يقال له كن معدوما لاستحالة ذلك فالعدم نفسي لبعض الموجودات ولبعضها تابع لعدم شرطه المصحح لوجوده وبهذه الحقيقة كان الله خلاقا دائما وحافظا دائما ولو كان على ما يذكره مخالفو أهل الحق القائلون ببقاء الأعراض لم يصح أن يكون الحق خلاقا دائما ولا حافظا على بعض الموجودات وجودها وإذا لم يزل خالقا دائما فلا يزال مع كل مخلوق هو معكم أينما كنتم وكنتم أمر وجودي بلا شك فلا شئ أدق من نيابة الفصل بين الكلمات لمن يعرف ما ذكرناه وأما النيابة السابعة فهي النيابة في الأفعال الظاهرة والباطنة في وجود الإنسان وهو ما يحدثه في نفسه من الأفعال والكوائن لا ما يحدثه في غيره وآيته من كتاب الله قوله تعالى حتى نعلم والعلم صفة له قديمة وهذا العلم الخاص الظاهر عن الابتلاء هو ما يريده بالنيابة فيه هنا فقال تعالى عن نفسه إنه يجيب الداعي إذا دعاه وأن بيده ملكوت كل شئ فوصف نفسه بأنه قاهر لكل شئ في هذه الآية فإذا ادعينا نحن الصبر على ما يكلفنا به وحمل المشقة في ذلك طاعة لله فدعوناه ثم نظرنا أثر ذلك في قلوبنا فوجدنا أنه إذا عم الدعاء ذاتنا كلها بحيث إنه لا يبقى فينا جزء له التفاتة إلى الغير حصلت الإجابة بلا شك على الفور من غير تأخير فعلمنا بهذا الاختبار صدق توجهنا لأنا قد علمنا صدقه فيما أخبر به عن نفسه ولولا مراعاة الأدب الإلهي لكان قولنا بلوناه بما دعوناه به حتى نعلم قوله أجيب دعوة الداع إذا دعاني فإنها كلمة دعوى حتى تكون النيابة صحيحة في قوله ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ثم طردنا ذلك في حق كل مدع دعوى من صادق وكاذب فنبنا عنه سبحانه في الاختبار والابتلاء فإن كان صاحب دعوى صادقة كالرسل ومن صدق في دعواه فإنه يقيم الدلالة على صدقه بما بلوناه به من طلب الدلالة كانت الدلالة ما كانت كما بلونا به الكاذب لما ادعى ما ليس له فلم يقم بوجود ما بلوناه به فقال له النائب إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب وهو أمر إمكاني فبهت الذي كفر وقامت الحجة عليه فالابتلاء أصله الدعوى فمن لا دعوى له لا ابتلاء يتوجه عليه ولهذا ما كلفنا الله حتى قال لنا ألست بربكم فقلنا بلي فأقررنا بربوبيته علينا وإقرارنا بربوبيته علينا عين إقرارنا بعبوديتنا له والعبودية بذاتها تطلب طاعة السيد فلما ادعينا ذلك حينئذ كلفنا ليبتلي
(٢٨٤)