" هي من منزلة غيره من الصفات المنسوبة إليه ولم يزاحمها في الموجودات وفيه علم الفرض المنزل وأين هو من علم الفرض المستنبط من المنزل وفيه علم الأدلة والبراهين العقلية التي تحكم على موجدها بما تستحقه وتصديقه إياها سبحانه فيما حكمت به عليه فإن الله ما نصب بعض الآيات إلا لأولي الألباب وهم الذين يعقلون معانيها بما ركب فيهم سبحانه من القوة العقلية وجعل نفس العقل للعقل آية وأعطاه القوة الذاكرة المذكرة التي تذكره ما كان تجلى له من الحق حتى عرفه شهودا ورؤية ثم أرسل حجب الطبيعة عليه ثم دعاه إلى معرفته بالدلالات والآيات وذكره إن نفسه أول دلالة عليه فلينظر فيها وفيه علم الحدود التي توجب للناظر العاقل الوقوف عندها فللظاهر حد وللباطن حد وللمطلع حد وللحد حد فمن وقف عند حد نفسه فأحرى إن يقف عند حد غيره فهذا الحد قد عم كل ما ذكرناه وما هو الوجود عليه ولولا الحدود ما تميزت المعلومات ولا كانت معلومات ولذلك لعن الله على لسان رسوله من غير منار الأرض يعني الحدود ولما اجتمع المثلان لأنفسهما ولم يتوقفا على تعيين موجدهما توجهت عليهما الأسماء الإلهية الحسنى بمائة درجة جنانية تحجبها مائة دركة جهنمية على مرائي من أهل الكشف فسعدا بهذا الاجتماع الذي أوجب لهما توجه العالم الأخراوي برمته وفيه علم اجتماع المثلين في الحكم النفسي وإلا فليسا بمثلين وفيه علم ما يشرك به الشئ من ليس مثله فهو مثله من ذلك الوجه الذي أشركه فيه خاصة وينفصل عنه بأمور أخر له فيها أمثال فما ثم معلوم ما له مثل جملة واحدة فما ثم إلا أمثال وأشباه ولذلك ضرب الله الأمثال ونهى عن ضربنا الأمثال له وعلل فقال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون فمن علمه الحق ضرب الأمثال ضربها على علم فلا يضرب الأمثال إلا العلماء بالله الذين تولى الله تعليمهم وليس إلا الأنبياء والأولياء وهو مقام وراء طور العقل يريد أنه لا يستقل العقل بإدراكه من حيث ما هو مفكر فإن الذي عند العقل من العلم بالله من حيث فكره علم التنزيه وضرب الأمثال تشبيه وموضع التشبيه من ضرب المثل دقيق لا يعرفه إلا من عرف المشبه والمشبه به والمشبه به غير معروف فالأمر الذي لتحقق منه ضرب المثل له مجهول فالنظر فيه من حيث الفكر حرام على كل مؤمن وهو في نفس الأمر ممنوع الوصول إليه عند كل ذي عقل سليم وفيه علم التربيع من حيث الشهود وفيه علم السبب الذي لأجله طلب من المدعي الدلالة على ما ادعاه وذلك لأنه يريد التحكم بما ادعاه والتحكم صفة إلهية والمدعي فيه معنى الغيب والشهادة فالشهادة ثابتة بعينها ولو لم يدعها لأغنى عينها فيه عند المشاهد عن الدعوى والغيب يحتاج معه إلى إقامة البينة على ما ادعى ويعترض هنا أمر عظيم وهو المعترف بأمر يوجب الحد واعترافه على نفسه دعوى ولا يطالب ببرهان بل تمضي فيه الحدود فقد خرج هذا المدعي بدعواه عن ميزان ما تطلبه الدعوى بحقيقتها وأما التحكم من المعترف بما ادعاه وإن كان كاذبا على نفسه في دعواه فإنه قد تحكم فيك إن تقيم عليه الحد الذي يتضمنه ما اعترف به وهنا دقائق تغيب عن أفهام أكثر العارفين فإن المعترف قد يكذب في اعترافه ليدفع بذلك في زعمه ألما يعظم عنده على الألم الذي يحصل له من الاعتراف إذا أقيمت عليه حدوده وذلك لجهله بما يؤول إليه أمره عند الله في ذلك ولجهله بما لنفسه عليه من الحق والله يقول إنا لا نصلح منك شيئا أفسدته من نفسك فالحقوق وإن عظمت فحق الله أحق ويليه حق نفسك وما خرج عن هذين الحقين فهين الخطب وفيه علم من اتخذ الله دليلا في أي موطن يتخذه وما دعواه التي توجب له ذلك وفيه علم الآداب الإلهية ومعرفة المواطن التي ينبغي أن يستعمل فيها وأكثر ما يظهر ذلك في باب الايمان بالله وفيه علم المواخاة بين الفضل الإلهي والرحمة وهل بين الآلام والرحمة مؤاخاة أم لا من باب دفع ألم كبير بألم دونه وفيه علم الأمر الذي يكرهه الطبع ويحمده الحق وما يغلب من ذلك ومن يجني ثمرة ذلك الكرة ومرارة تلك الفظاعة ذوقا وفيه علم تصريف الحكمة الإلهية في النوع الإنساني خاصة دون سائر المخلوقات وفيه علم ما ينبغي أن يكون عليه العاقل إذا رأى في الوجود ما يقضي له العقل بالوقوف عنده والعدول عما في الأخذ به من مذام الأخلاق وفيه علم ما لا يعلمه الإنسان في زعمه وهو في نفس الأمر على خلاف ذلك كيف يعلمه الله هل يعلمه كما هو عليه في نفسه أو كما هو في علم هذا العالم في زعمه وهي مسألة
(٢٩١)