حظ قريبا هل السحر الذين قال الله فيهم يخيل إليه أي إلى موسى من سحرهم أنها تسعى وليست بساعية في نفس الأمر وهي ساعية في نظر موسى ونظر الحاضرين إلا السحرة فإنهم يرونها حبالا والغريب لو ورد لرآها كما يراها الساحر بخلاف من له النيابة على عالم الخيال وفي حضرته كموسى فإنه لا يرى ما يجسده من المعاني جسدا كما جسدوه ويراه هو معنى إنما ذلك للساحر لعدم قوته وما بين الساحر وبين صاحب هذه النيابة كموسى إلا كون الحق جعله نائبا عنه واتخذه موسى وكيلا فالقى موسى عصاه عن أمر حق وهو أمر موكله فقال له ألق عصاك فرآها حية فخاف وأخبر عن السحرة أنهم ألقوا حبالهم وعصيهم لا عن أمر إلهي بل عن حكم أسماء كانت عندهم لها في عيون الناظرين خاصية النظر إلى ما يريد الساحر إظهاره فله بتلك الأسماء قلب النظر لا قلب المنظور فيه وبالأمر الإلهي قلب المنظور فيه فيتبعه النظر فالنظر ما انقلب في حق النائب والفعل في النظر وفي المنظور فيه لم يكن إلا بعد الإلقاء فلما خرج عن ملك من ألقاه تولى الله قلب المنظور في حق النائب وقلب النظر في حق من ليس بنائب وله علم هذه الأسماء التي هي سيميا أي علامات على ما ظهر في أعين الناظرين فالعموم عند كشف الغطاء بالموت وانتقالهم إلى البرزخ يكونون هنالك مثل ما هم في الدنيا في أجسامهم سواء إلا أنهم انتقلوا من حضرة إلى حضرة أو من حكم إلى حكم والعارفون نواب الحق لهم هذا الحكم في الحياة الدنيا وإنما كانت النيابة هنا نيابة توحيد لأنه لا يظهر الحكم إلا بعد الإلقاء وهو أن يخرج الأمر من ملك الملقي فيتولاه الله بحكم الوكالة في حق النائب وبحكم الحقيقة في حق الساحر للغيرة الإلهية فلا يكون حكم في الأشياء إلا لله وبقي لصاحب هذه النيابة في هذه الحضرة التصرف دائما كما ذكرناه المسمى في العامة كرامات وآيات وخرق عوائد وهي عند المحققين ليست بخرق عوائد بل هي إيجاد كوائن لأنه ما ثم في نفس الأمر عوائد لأنه ما ثم تكرار فما ثم ما يعود وهو قوله في أصحاب العوائد بل هم في لبس من خلق جديد يقول إنهم لا يعرفون أنهم في كل لحظة في خلق جديد فما يرونه في اللحظة الأولى ما هو عين ما يرونه في اللحظة الثانية وهم في لبس من ذلك فلا إعادة فلا خرق هكذا يدركه المحققون من أهل الله وليس الأمر إلا كما ذكرناه فإنه بهذا يكون الافتقار للخلق دائما أبدا ويكون الحق خالقا حافظا على هذا الوجود وجوده دائما بما يوجده فيه من خلق جديد لبقائه فانظر فديتك فيما قد أتيت به فالعلم يدرك ما لا يدرك البصر فرجال العلم أولى بالعبر * ورجال العين أولى بالنظر فالذي يوصف بالعقل له * قوة تخرجه عن البصر والذي يوصف بالكشف له * صورة تسمو على كل الصور فتراه دائما في حاله * ظاهرا من غير إلى غير فيتصرف النائب في هذه الأغيار الخيالية كما يريد ويشاء ولكن عن أمر وكيله لجهل الموكل بالصالح التي يعرفها الوكيل في التصريف فإن غلط وتصرف عن غفلة بغير أمر الوكيل فإن الله يحفظ عليه وقته لكون الوكالة كما قلنا دورية ولكن مع هذا الحفظ الذي ذكرناه لا تكون الصورة الواقعة عن تصريف الغفلة تبلغ من الدرجة مبلغ الصورة التي تكون عن تصريف الوكيل الذي صرف فيه هذا النائب لتتميز المراتب ويعلم الرفيع والأرفع واعلم أن هذه المرتبة التي هي هذه النيابة الخاصة لا تكون إلا بالموت والموت على قسمين موت اضطراري وهو المشهور في العموم والعرف وهو الأجل المسمى الذي قيل فيه إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون والموت الآخر موت اختياري وهو موت في حياة دنياوية وهو الأجل المقضي في قوله تعالى ثم قضى أجلا ولما كان هذا الأجل المقضي معلوم الوقت عند الله مسمى عنده كان حكمه في نفسه حكم الأجل المسمى وهو قوله عز وجل كل يجري إلى أجل مسمى يعني في حاله ولا يموت الإنسان في حياته إلا إذا صحت له هذه النيابة فهو ميت لا ميت كالمقتول في سبيل الله نقله الله إلى البرزخ لا عن موت فالشهيد مقتول لا ميت ولما كان هذا المعتنى به قد قتل نفسه في الجهاد الأكبر الذي هو جهاد النفس رزقه الله حكم الشهادة فولاه لنيابة في البرزخ في حياته الدنيا فموته معنوي وقتله مخالفة نفسه وقد جئنا على ما ذكرناه أولا من ذكرنا هذه النيابات العشرة التي هي أمهات وأما ما تتضمنه كل نيابة من فعل كل ما لا يصلح إلا بنيابة فكثير لا يحصى ولله
(٢٨٨)