خلل فليحك ذراعه بذراعه حكا قويا حتى يجد الحرارة من جلد ذراعه ثم يستنشقه فيجد فيه رائحة الحماة وهي أصله التي خلق الجسم منها قال الله تعالى خلق الإنسان من صلصال ومن حمإ مسنون فلما طهرت فخارة الإنسان بطبخ ركن النار إياها والتأمت أجزاؤه وقويت وصلبت قصرها بالماء الذي هو عنصر الحياة فأعطاها الماء من رطوبته وألان بذلك من صلابة الفخار ما ألان فسرت فيه الحياة وأمده الركن الهوائي بما فيه من الرطوبة والحرارة ليقابل بحرارته برد الماء فامتنعا فتوفرت الرطوبة عليه فأحال جوهرة طينته إلى لحم ودم وعضلات وعروق وأعصاب وعظام وهذه كلها أمزجة مختلفة لاختلاف آثار طبيعة العناصر واستعدادات أجزاء هذه النشأة فلذلك اختلفت أعيان هذه النشأة الحيوانية فاختلفت أسماؤها لتتميز كل عين من غيرها وجعل غذاء هذه النشأة مما خلقت منه والغذاء سبب في وجود النبات وبه ينمو فعبر عن نموه وظهور الزيادة فيه بقوله والله أنبتكم من الأرض نباتا ومعناه فنبتم نباتا فإن مصدر أنبت إنما هو إنبات فأضاف النبات إلى الشئ الذي ينمو يقول جعل غذاءكم منها أي مما تنبته فتنبتون به أي تنمي أجسامكم وتزيد فلما أكمل النشأة الجسمية النباتية الحيوانية وظهر فيها جميع قوى الحيوان أعطاه الفكر من قوة النفس العملية وأعطاه ذلك من قوة النفس العلمية من الاسم الإلهي المدبر فإن الحيوان جميع ما يعمله من الصنائع وما يعلمه ليس عن تدبير ولا روية بل هو مفطور على العلم بما يصدر عنه لا يعرف من أين حصل له ذلك الإتقان والإحكام كالعناكب والنحل والزنابير بخلاف الإنسان فإنه يعلم أنه ما استنبط أمرا من الأمور إلا عن فكر وروية وتدبير فيعرف من أين صدر هذا الأمر وسائر الحيوان يعلم الأمر ولا يعلم من أين صدر وبهذا القدر سمي إنسانا لا غير وهي حالة يشترك فيها جميع الناس إلا الإنسان الكامل فإنه زاد على الإنسان الحيواني في الدنيا بتصريفه الأسماء الإلهية التي أخذ قواها لما حذاه الحق عليها حين حذاه على العالم فجعل الإنسان الكامل خليفة عن الإنسان الكل الكبير الذي هو ظل الله في خلقه من خلقه فعن ذلك هو خليفة ولذلك هم خلفاء عن مستخلف واحد فهم ظلاله للأنوار الإلهية التي تقابل الإنسان الأصلي وتلك أنوار التجلي تختلف عليه من كل جانب فيظهر له ظلالات متعددة على قدر أعداد التجلي فلكل تجل فيه نور يعطي ظلا من صورة الإنسان في الوجود العنصري فيكون ذلك الظل خليفة فيوجد عنه الخلفاء خاصة وأما الإنسان الحيواني فليس ذلك أصله جملة واحدة وإنما حكمه حكم سائر الحيواني إلا أنه يتميز عن غيره من الحيوان بالفصل المقوم له كما يتميز الحيواني بعضه عن بعض بالفصول المقومة لكل واحد من الحيوان فإن الفرس ما هو الحمار من حيث فصله المقوم له ولا البغل ولا الطائر ولا السبع ولا الدودة فالإنسان الحيواني من جملة الحشرات فإذا كمل فهو الخليفة فاجتمعنا لمعان وافترقا لمعان ثم إن الله أعطاه حكم الخلافة واسم الخليفة وهما لفظان مؤنثان لظهور التكوين عنهما فإن الأنثى محل التكوين فهو في الاسم تنبيه ولم يقل فيه نائب وإن كان المعنى عينه ولكن قال إني جاعل في الأرض خليفة وما قال إنسانا ولا داعيا وإنما ذكره وسماه بما أوجده له وإنما فرقنا بين الإنسان الحيواني والإنسان الكامل الخليفة لقوله تعالى يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك فهذا كمال النشأة الإنسانية العنصرية الطبيعية ثم قال له بعد ذلك في أي صورة ما شاء ركبك إن شاء في صورة الكمال فيجعلك خليفة عنه في العالم أو في صورة الحيوان فتكون من جملة الحيوان بفصلك المقوم لذاتك الذي لا يكون إلا لمن ينطلق عليه اسم الإنسان ولم يذكر في غير نشأة الإنسان قط تسوية ولا تعديلا وإن كان قد جاء الذي خلق فسوى فقد يعني به خلق الإنسان لأن التسوية والتعديل لا يكونان معا إلا للإنسان لأنه سواه على صورة العالم وعدله عليه ولم يكن ذلك لغيره من المخلوقين من العناصر ثم قال له بعد التسوية والتعديل كن وهو نفس إلهي فظهر الإنسان الكامل عن التسوية والتعديل ونفخ الروح وقول كن وهو قوله إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فشبه الكامل وهو عيسى ع بالكامل وهو آدم ع خليفة بخليفة وغير الخلفاء إنما سواه ونفخ فيه من روحه وما قال فيه إنه قال له كن إلا في الآية الجامعة في قوله إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فاجعل بالك لما نبهتك عليه فنقص عن مرتبة الكمال التي أعطاها
(٢٩٧)