أحق فبالحق كان ميز الخلق عنه لا بالخلق يميز الحق عنه لأن الخلق متلبس بنعوت الحق وليس الحق متلبسا بالخلق ولذلك كان ظهور الخلق بالحق ولم يكن ظهور الحق بالخلق لكون الحق لم يزل ظاهرا لنفسه فلم يتصف بالافتقار في ظهوره إلى شئ كما اتصف الخلق بالافتقار في ظهوره لعينه في عينه إلى الحق ونريد بالخلق هنا الإنسان الذي له المثلية لا غيره فإن هذا الفصل وقع بين المثلين فللفصل حكم المثلين بلا شك لأنه يقابل كل مثل بذاته ولولاه لما تميز المثل عن مثله ومثليتك له قوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه وقوله وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليتخذ بعضكم بعضا سخريا بإعطاء كمال الإنسانية وهو الصورة لبعضهم وهم الذين رفعهم الله والمرفوع عليهم هم الأناسي الحيوانيون ومثليته لك أن جعل نفسه لك وكيلا فيما هو حق لك فيتصرف فيه عنك بحكم الوكالة المطلقة المفوضة الدورية فإن وكالة الحق لا بد أن تكون دورية اعتناء من الله بعبده لأنه خلقه صاحب غفلات ونسيان والغفلة والنسيان أحوال تطرأ على هذه النشأة الإنسانية والأحوال لها الحكم مطلقا في كل من اتصف بالوجود لا أحاشي موجودا من موجود فإذا غفل الإنسان في حركة ما من حركاته فتصرف فيها بنفسه فذلك التصرف النفسي عزل الحق عن الوكالة فإذا كانت الوكالة دورية كان كل ما انعزل الحق عن هذه الوكالة بالتصرف النفسي ولي الأمر فلم يتصرف إلا الله فإن الله أمرك أن تتخذه وكيلا في سورة المزمل فهذه فائدة الوكالة الدورية وهي عن أمره تعالى عبده وجعلها في التوحيد فقال رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا إشارة إلى التصرف في الجهات وما ذكر منها إلا المشرق وهو الظاهر والمغرب وهو الباطن وبالعين الواحدة التي هي الشمس إذا طلعت أحدثت اسم المشرق وإذا غربت أحدثت اسم المغرب وللإنسان ظاهر وباطن لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا في ظاهرك وباطنك فإنه رب المشرق والمغرب فانظر ما أعجب القرآن وهذه النيابات كلها التي ذكرناها ونذكرها نيابات توحيد لا غير ذلك فإن ظهرت أنت لم يكن الظاهر إلا هو وإن لم تظهر فهو هو إذ الواحد لا ينقسم في نفسه إلا بالحكم والنسب وهو تعالى ذو أسماء كثيرة فهو ذو نسب وأحكام فأحديته بنا أحدية الكثرة والعين واحدة ولهذا ينسب الظهور لنا في وقت وينسب إليه في وقت ويضاف إليه في حكم ويضاف إلينا في حكم فقد تبين لك أن عين ما قام فيه الإنسان عين ما قام فيه الحق بين ظاهر وباطن فإذا ظهر من ظهر بطن الآخر وكانت النيابة للظاهر عن الذي بطن وكانت النيابة للذي بطن فيما بطن فيه عن الذي ظهر فلا يزال حكم الخلافة والوكالة وهي خلافة ونيابة دائما أبدا دنيا وآخرة فإن الحق كل يوم من أيام الأنفاس هو في شأن ما وكلته فيه فإنه لك يتصرف ولك يصرف فيما استخلفك فيه فأنت تتصرف عن أمر وكيلك فأنت خليفة خليفتك كما أنه ملك الملك بالوكالة فهذا عين ما هو الوجود عليه وما بيننا وبين الناس فرق في ذلك في نفس الأمر إلا أني أعرف وهم لا يعرفون ذلك لأجل الأغطية التي على عين بصيرتهم والأكنة والأقفال التي على قلوبهم وفيها وأما النيابة العاشرة فهي نيابة توحيد الموتى فإنه بالموت تنكشف الأغطية ويتبين الحق لكل أحد ولكن ذلك الكشف في ذلك الوقت في العموم لا يعطي سعادة إلا لمن كان من العامة عالما بذلك فإذا كشف الغطاء فرأى ما علم عينا فهو سعيد وأما أصحاب الشهود هنا فهو لهم عين وعند كشف الغطاء تكون تلك العين لهم حقا فينتقل أهل الكشف من العين إلى الحق وينتقل العالم من العلم إلى العين وما سوى هذين الشخصين فينتقلون من العمي إلى الأبصار فيشهدون الأمر بكشف غطاء العمي عنهم لا عن علم تقدم فلا بد من مزيد لكل طائفة عند الموت ورفع الغطاء ولهذا قال من قال من الصحابة لو كشف الغطاء فأثبت لك أن ثم غطاء ثم قال ما ازددت يقينا يعني فيما علم إذا عاينه فلا يزيد يقينا في العلم لكن يعطيه كشف الغطاء أمرا لم يكن عنده فيصح قوله ما ازددت يقينا في علمه إن كان ذا علم وفي عينه إن كان ذا عين لا أنه لا يزيد بكشف الغطاء أمرا لم يكن له إذ لو كان كذلك لكان كشف الغطاء في حق من هذه صفته عبثا معرى عن الفائدة ولكن للعيان لطيف معنى * لذا سأل المعاينة الكليم فما كان الغطاء إلا ووراءه أمر وجودي لا عدمي فهذه النيابة عن الحق للعبد في البرزخ فيقوم حاكما بصورة حق ونيابة في عالم الخيال فيكون له عليه سلطان في هذه الدار الدنيا فيجسد ما شاء من المعاني للناظر وقد نال من هذه السلطنة
(٢٨٧)