الحمد والمنة على ما أعطى ومما يتعلق بهذا الباب نور توحيد الذات واعلم أنه لما كان في قوة الواحد أحدية كل موجود ومعلوم ومعدود ظهر جميع ما ظهر من العالم من مجموع ومفرد وفي العالم من تقسيم عقلي في المعلومات بأحدية تخصه وأعطتها ذلك أحدية الذات الواهبة لوجود ما وجد والواهبة علم ما علم من المعلومات فالأحدية ظاهرة في الآحاد خفية في المجموع فأحدية الذات في الآحاد والبسائط وأحدية المجموع في المركبات وهي المعبر عنها في الإلهيات بلسان الشرع بالأسماء وفي العقول السليمة بالنسب وفي العقول القاصرة النظر بالصفات وأبين ما يظهر فيه حكم الواحد في العدد لأنه بالواحد يظهر العدد وينشأ على الترتيب الطبيعي من الاثنين إلى ما لا يتناهى وبزوال الواحد منه يزول فالمعلول لولا علته ما ظهرت له عين والعالم لولا الله ما وجد في عينه وأعطى سبحانه اسم الذات لنفسه واسم النفس لما يحمل اسم النفس من التذكير والتأنيث كما قال تعالى أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله الآية فأنث فقال بلي قد جاءتك آياتي بكاف مكسورة خطاب المؤنث آياتي فكذبت بها بتاء مفتوحة خطاب المذكر والعين واحدة فإن النفس والعين عند العرب يذكران ويؤنثان وذلك لأجل التناسل الواقع بين الذكر والأنثى ولذلك جاء في الإيجاد الإلهي بالقول وهو مذكر والإرادة وهي مؤنثة فأوجد العالم عن قول وإرادة فظهر عن اسم مذكر ومؤنث فقال إنما قولنا لشئ وشئ أنكر النكرات والقول مذكر إذا أردناه والإرادة مؤنثة أن نقول له كن فيكون فظهر التكوين في الإرادة عن القول والعين واحدة بلا شك فبنور توحيد الذات ظهرت جميع المحدثات علوا وسفلا وحسا ومعنى ومركبا ومفردا فسرت الأحدية في كل شئ فما ثم إلا واحد وما ظهر أمر إلا به ومنه وفيه ففيه من حيث ما للنفس من التأنيث وبه من حيث ما للنفس من التذكير والتأنيث ومنه من حيث ما للنفس من التذكير فعين واحدة فاعلة منفعلة والانفعال ما ظهر في الأعيان من الموجودات والمعلومات المعقولة وإن لم يوجد لها أعيان ثم جعل التوليد في الحيوانات بل في ما يقبل الولادة على ثلاثة أضرب فيهب لمن يشاء إناثا مراعاة لمحل التكوين ويهب لمن يشاء الذكور مراعاة للملقي أو يزوجهم ذكرانا وإناثا مراعاة للمجموع فإن زوجهم إناثا أو ذكرانا أو ذكرا وأنثى فلوجود الجمع المؤذن بما في الأصل من جمع النسب ويجعل من يشاء عقيما لمن لا يقبل الولادة كأسماء التنزيه فما في الوجود أحدية إلا أحدية الكثرة وليست إلا الذات والألوهة لهذه وصف نفسي لأنه لذاته هو وله الأسماء الحسنى فافهم فلهذا قلنا أحدية المجموع أو أحدية الكثرة فإن قلت فإن الله غني عن العالمين فقلنا هذا لا يقدح في أحدية الكثرة فإن كونه ذاتا ما هو كونه غنيا فمعقول الذات خلاف معقول نعتها بالغنى فأنت في هذا الاعتراض مثبت لما تريد نفيه فقويت قولي وأعظم من هذه النسبة إلى الإله فما ثم وأزيدك أمرا آخر في هذه المسألة وهو أن الله وإن كان في ذاته غنيا عن العالمين فمعلوم أنه منعوت بالكرم والجود والرحمة فلا بد من مرحوم ومتكرم عليه ولهذا قال تعالى وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فأجاب الداعي سبحانه جودا وكرما ولا شك أن السؤال بالأحوال أتم من السؤال بالقول والإجابة أسرع للسائل بالحال لأنه سائل بذاته والجود على المضطر المحتاج أعظم في نفس الأمر من الجود على غير المضطر والممكن في حال عدمه أشد افتقارا إلى الله منه في حال وجوده ولهذا لا تصحب الممكن دعوى في حال عدمه كما تصحبه في حال وجوده فإفاضة الوجود عليه في حال عدمه أعظم في الجود والكرم فهو تعالى وإن كان غنيا عن العالمين فذلك تنزيه عن إن يقوم به فقر أو يدل عليه دليل غير نفسه فأوجد العالم من وجوده وكرمه وهذا لا يشك فيه عاقل ولا مؤمن وإن الجود له نعت نفسي فإنه جواد كريم لنفسه فلا بد من وجود العالم وما حكم العلم بكونه يستحيل عدم كونه فلا بد من نسب أو صفات على مذهب الصفاتيين أو أسماء على مذهب آخرين فلا بد من الكثرة في العين الواحدة فلا بد من أحدية الكثرة على كل وجه من كل قائل بنسبة أو صفة أو اسم فليست أنوار الذات بشئ سوى الموجودات وهي سبحات الوجه لأنها عين الدلالة عليه سبحانه لنا ولهذا قال ص من عرف نفسه عرف ربه فجعل نفس العارف إذا عرفها العارف دليلا على معرفة الله والنور دليل على نفسه وعلى ما يظهره للعين فبنور الموجودات ظهرت الموجودات وظهر موجدها لها فما علمته إلا منها فهو المطلوب لها والطلب يؤذن بالافتقار في حق المحدثات وهو المطلوب فهو الغني فمن كونه مطلوبا
(٢٨٩)