الحدود التي نصبها في الدنيا وحيث كانت إنما هي للتطهير وكذلك الآلام والأمراض وكل ما يؤدي إلى ذلك كل ذلك للتطهير ورفع الدرجات وتكفير السيئات فلما خلق الإنسان الكامل وخلفاءه من الأناسي على أكمل صورة وما ثم كمال إلا صورته تعالى فأخبر إن آدم خلقه على صورته ليشهد فيعرف من طريق الشهود فأبطن في صورته الظاهرة أسماءه سبحانه التي خلع عليه حقائقها ووصفه بجميع ما وصف به نفسه ونفى عنه المثلية فلا يماثل وهو قوله ليس كمثله شئ من العالم أي ليس مثل مثله شئ من العالم ولم يكن مثلا إلا بالصورة فاعترضت الملائكة لنشأة آدم من الطبيعة لما تحمله الصورة من الأضداد ولا سيما وقد جعل وجود آدم من العناصر فهو إلهي طبيعي عنصري فلم تشاهد الأسماء الإلهية التي هي أحكام هذه الصورة وهي كون الحق سمعه وبصره وجميع قواه فلو شهدت ذلك ما اعترضت فأدبها الله بما ذكر ثم نظر العقل بآيات الآفاق وغاص بفكره في تلك الآيات الآفاقية بمشاهدة التنزيه دون التشبيه الذي أعطته المماثلة بالصورة فلما أسمعه الحق الخطاب أعني أسمع العقل المركب في الإنسان الحيواني لا في الإنسان الكامل فإن الإنسان الكامل بنفسه عرفه والإنسان الحيواني عرفه بعقله بعد ما استعمل آلة فكره فلا الملك عرف الإنسان الكامل لأنه ما شاهده من جميع وجوهه ولا الإنسان الحيواني عرفه بعقله من جميع وجوهه فكلما قام له شهود في نفسه من حيث لم يشعر إنه شهود أثر الحق رده ونزه الحق عنه فإذا ورد عليه خبر إلهي يعطي ما أعطاه الخيال الفاسد عنده تأول ذلك الخبر على طريق يفضي به إلى التنزيه خاصة فحده من حيث لم يشعر وما أطلقه فجهل الكل الإنسان الكامل فجهلوا الحق فما عرف الحق إلا الإنسان الكامل ولهذا وصفته الأنبياء بما شهدوه وأنزل عليهم بصفات المخلوقين لوجود الكمال الذي هو عليه الحق وما وصل إلى هذه المعرفة بالله لا ملك ولا عقل إنسان حيواني فإن الله حجب الجميع عنه وما ظهر إلا للإنسان الكامل الذي هو ظله الممدود وعرشه المحدود وبيته المقصود الموصوف بكمال الوجود فلا أكمل منه لأنه لا أكمل من الحق تعالى فعلمه الإنسان الكامل من حيث عقله وشهوده فجمع بين العلم البصري الكشفي وبين العلم العقلي الفكري فمن رأى أو من علم الإنسان الكامل الذي هو نائب الحق فقد علم من استنابه واستخلفه فإنه بصورته ظهر وأمرنا بالطاعة لأولي الأمر كما أمرنا بالطاعة لله ولرسوله وأن لا نخرج يدا من طاعة فنموت ميتة جاهلية والجهل أشد ما على الإنسان فلو لم ينصب سبحانه وتعالى الإنسان الكامل لتتحقق المعرفة بالله من حيث ما هو إله في الوجود الحادث معرفة كمال وهي المعرفة التي طلبت منا لظهر بنفسه وذاته إلى خلقه حتى يعرفه على المشاهدة والكشف فلا ينكر وما أنكره من أنكره في الآخرة أو حيث وقع الإنكار إلا لما تقدمهم النظر العقلي وقيدوا الحق فلما لم يروا ما قيدوه به من الصفات عند ذلك أنكروه ألا تراهم إذا تجلى لهم بالعلامة التي قيدوه بها عند ذلك يقرون له بالربوبية فلو تجلى لهم ابتداء قبل هذا التقييد لما أنكره أحد من خلقه فإنه بتجليه ابتداء يكون دليلا على نفسه فلهذا قلنا في الإنسان الكامل إنه نائب عن الحق في الظهور للخلق لحصول المعرفة به على الكمال الذي تطلبه الصورة الإلهية والله من حيث ذاته غني عن العالمين والإنسان الكامل بوجوده وكمال صورته غني عن الدلالة عليه لأن وجوده عين دلالته على نفسه فالكشف أتم المعارف وإن لم يتكرر التجلي فإن المتجلي واحد معلوم فإن الإنسان يعلم نفسه أنه يتقلب في أحواله وخواطره وأفعاله وأسراره كلها في صور مختلفة ومع هذا التقليب والتحول يعلم عينه ونفسه وأن هويته هي هي ما زالت مع ما هو عليه من التقليب فهكذا هي صورة التجلي وإن كثرت ولم تتكرر فإن العلم بالمتجلي في هذه الصور واحد العين غير مجهول فلا تحجبه التكيفات عنه فهذه هي النيابة الرابعة قد وفيناها حقها ولا يعرف ما ذكرناه إلا من كان زنيما ذا مال فإنه بصورته دخل في الألوهة وليس بإله فكان زنيما والمال يوجب الغني فله صفة الغني بما هو عليه من الصورة فاعلم ذلك وأما النيابة الخامسة فهي نيابة الإنسان عن رفيع الدرجات في العالم لا غير وصورة رفعه أن الإنسان الكامل من حيث إنه ليس أحد معه في درجته لأنه ما حاز الصورة الإلهية غيره فدرجته رفيعة عن النيل فلا يعرفه إلا الله ولا يعرف الله إلا الإنسان الكامل فهو مجلاه ولما ارتفعت درجته بالإحاطة وحصول الكل لم يتمكن للجزء أن يعرفه إذ لا معرفة للجزء بالكل لأن الشئ لا يعرف إلا نفسه ولا يعرف شيئا إلا من نفسه وما للجزء صفة الكل فاستحال إن يعرف أحد الإنسان الكامل لأنه ليست له
(٢٨٢)