وهو ما انصبغ به الممكن من الطرفين ولولا ما هو بهذه المثابة من الحفظ لعين الطرفين ما وصف الحق نفسه بما أوجبه على نفسه بقوله كتب ربكم على نفسه الرحمة وقال ورحمتي وسعت كل شئ جزاء وفاقا لما هو عليه الممكن من الوقاية وراعى المحال أيضا له ذلك فأفاض عليه من حقيقته فحفظ عليه عدمه وحفظ الحق عليه وجوده فاتصف الممكن بالوجود والعدم معا في الإثبات أي هو قابل لكل واحد منهما كما اتصف أيضا لهذا بأنه لا موجود ولا معدوم في النفي فجمع بينهما في وصفه بين النفي والإثبات فلو كان موجودا لا يتصف بالعدم لكان حقا ولو كان معدوما لا يتصف بالوجود لكان محالا فهو الحافظ المحفوظ والواقي الموقى فهذا الحد له لازم ثابت لا يخرج عنه ولهذا أيضا اتصف بالحيرة بين العدم والوجود لعدم تخلصه إلى أحد الطرفين لأنه لذاته كان له هذا الحكم فإن قلت حق كان قولك صادقا * وإن قلت فيه باطل لست تكذب فإذا علمت هذا فلنقل ما تجاوز فيه الناس من مسمى النور والظلمة المعروفين في العرف ظاهرا كالأنوار المنسوبة إلى البروق والكواكب والسرج وأمثال ذلك والظلم المشهودة المعلومة المدركة ظاهرا للحس وأنوار الباطن المعنوية كنور العقل ونور الايمان ونور العلم وظلمة الباطن كظلمة الجهل والشرك وعدم العقل والذي ليس بظلمة ولا نور كالشك والظن والحيرة والنظر فهذا أيضا ليس بظلمة ولا نور فهذه مجازاة حقائق الواجب والمحال والممكن في عرف الممكنات فقد جمع الممكن بنفسه حقيقته وحقيقة طرفيه وأبين ما يكون ذلك في الممكن ما فيه من المعاني والمحسوسات والخيالات وهذا المجموع لا يوجد حكمه إلا في الممكن لا في الطرفين أصلا فالعلم بالممكن هو بحر العلم الواسع العظيم الأمواج الذي تغرق فيه السفن وهو بحر لا ساحل له إلا طرفيه ولا يتخيل في طرفيه ما تتخيله العقول القاصرة عن إدراك هذا العلم كاليمين والشمال لما بينهما ليس هذا الأمر كذلك بل إن كان ولا بد من التخيل فلتتخيل ما هو الأقرب بالنسبة لما ذكرناه أن الشأن في نفسه كالنقطة من المحيط وما بينهما فالنقطة الحق والفراع الخارج عن المحيط العدم أو قل الظلمة وما بين النقطة والفراع الخارج عن المحيط الممكن كما رسمناه مثالا في الهامش وإنما أعطينا النقطة لأنها أصل وجود محيط الدائرة وبالنقطة ظهرت كذلك ما ظهر الممكن إلا بالحق والمحيط من الدائرة إذا فرضت خطوطا من النقطة إلى المحيط لا تنتهي إلا إلى نقطة فالمحيط كله بهذه المثابة من النقطة وهو قوله والله من ورائهم محيط وقوله وهو بكل شئ محيط فكانت كل نقطة من المحيط انتهاء الخط والنقطة الخارج منها الخط إلى المحيط ابتداء الخط فهو الأول والآخر فهو أول لكل ممكن كالنقطة أول لكل خط وما خرج عن وجود الحق وما ظهر من الحق فذلك العدم الذي لا يقبل الوجود والخطوط الخارجة الممكنات فمن الله ابتداؤها وإلى الله انتهاءها وإليه يرجع الأمر كله فإن الخط إنما ينتهي إلى نقطة فأولية الخط وآخريته هما من الخط ما هما من الخط كيف شئت قلت وهذا هو الذي ينبغي أن يقال فيه لا هي هو ولا هي غيره كالصفات عند الأشاعرة فمن عرف نفسه هكذا عرف ربه ولهذا أحالك الشارع في العلم بالله على العلم بك وهو قوله سنريهم آياتنا وهي الدلالات في الآفاق وفي أنفسهم فما ترك شيئا من العالم فإن كل ما خرج من العالم عنك فهو عين الآفاق وهي نواحيك حتى يتبين لهم أنه الحق لا غيره إذ لا غير ولهذا كان الخط مركبا من نقط لا تعقل إلا هكذا والسطح مركب من خطوط فهو مركب من نقط والجسم
(٢٧٥)