الذي من الخالق للمخلوق إذ لو انقطع عنه لفنى ولذلك جعل أهل اللسان الوصل في الكلام هو الأصل والوقف عارض يطرأ في الكلام لضيق النفس الذي تبرزه القوة الدافعة فلو تمادى هلك فإذا خافت على المتنفس الهلاك جذبت القوة الجاذبة الهواء من خارج إلى داخل فكان بين انتهاء الدافعة وابتداء الجاذبة وقف المتكلم للراحة فلهذا قلنا فيه إنه عارض وهو في النفس الإلهي من حيث ما هو نفس الرحمن ما يبتلي الله به عبده من الضيق والحرج ثم ينفس عنه بالسعة فيقابل الشئ بضده ولا بد بين النقيضين إذا تعاورا على المحل من بهت يقوم بالمحل ذلك البهت هو المسمى وقفا في عالم الكلام وهذا من جوامع الكلم الذي هو جمع كلمة فما بين الكلمة والكلمة يكون بهتا لكون النفس في الكلمتين عينا واحدة قال تعالى وكان الله عليما حكيما إذا وقفت فعليما هو الذي في الغيب الإلهي وحكيما هو حكمه في الإنسان بما أمده الله به فإن وصله بكلام بعده قبضه الله إليه قبضا يسيرا فعاد إلى غيبه فلم يظهر في الإنسان حكمه وهذا من أسرار الحق التي غاية العبارة عنها ما ذكرناه فالإنسان الكامل الظاهر بالصورة الإلهية لم يعطه الله هذا الكمال إلا ليكون بدلا من الحق ولهذا سماه خليفة وما بعده من أمثاله خلفاء له فالأول وحده هو خليفة الحق وما ظهر عنه من أمثاله في عالم الأجسام فهم خلفاء هذا الخليفة وبدل منه في كل أمر يصح أن يكون له ولهذا صحت له المقولات العشرة التي لا تقبل الزيادة على هذا العدد فهذه هي النيابة الأولى وأما النيابة الثانية فهي إن ينوب الإنسان بذاته عن نصف الصورة من حيث روحانيتها لأن الله إذا تجلى في صورة البشر كما ورد فإنه يظهر بصورتها حسا ومعنى فالنيابة هنا الخاصة هي النيابة عن روح تلك الصورة المتجلي فيها ولا يكون ذلك إلا في حضرة الأفعال الإلهية التي تظهر في العالم على يد الإنسان من حيث ما هو مريد لفعل ما يريد أن يفعله في الحال أو المستأنف إذ لا يكون الفعل ماضيا إلا بعد ظهوره في الحال فينوب الإنسان عن الله تعالى في أفعال الحال كلها الظاهرة على يده وليس لغير الإنسان هذه النيابة فإن الملك والحيوان والمعدن والنبات ليس لهؤلاء إرادة تتعلق بأمر من الأمور إنما هم مع ما فطروا عليه من السجود لله والثناء عليه فشغلهم به لا عنه والإنسان له الشغل به وعنه والشغل عنه هو المعبر عنه بالغفلة والنسيان فالحق هنا دائرة من حيث جمع الصورة بين المعنى الروحاني والظاهر للبصر فهذا الإنسان في هذه النيابة إنما هو نائب عما يتعلق من الأفعال بروحانية تلك الصورة وعالم الأرواح أخف من عالم الأجسام ولخفته يسرع بالتحول في الصور من غير فساد العين وعالم الأجسام ليس كذلك واعلم أن النيابة الثالثة في تحقيق الأمر الذي قام بالممكن حتى أخرجه من العدم إلى الوجود فإن ذلك نيابة عن المعنى الذي أوجب للحق أن يوجد هذا الممكن المعين ولم يكن أوجده قبل ذلك سواء كان روحا مثلا أو جسما فاعلم إن الأفعال الصادرة عن المريد لها من الأمثال نيابة في الظاهر عن الله في صدور الممكنات عنه ولا يكون نائبا عنه تعالى حتى يكون من استخلفه واستنابه سمعه وبصره ويده وجميع قواه ومتى لم يكن بهذه الصفة فما هو نائب ولا خليفة فإن الممكنات في حال عدمها بين يدي الحق ينظر إليها ويميز بعضها عن بعض بما هي عليه من الحقائق في شيئية ثبوتها ينظر إليها بعين أسمائه الحسنى كالعليم والحفيظ الذي يحفظ عليها بنور وجوده شيئية ثبوتها لئلا يسلبها المحال تلك الشيئية ولهذا بسط الرحمة عليها التي فتح بها الوجود فإن ترتيب إيجاد الممكنات يقضي بتقدم بعضها على بعض وهذا ما لا يقدر على إنكاره فإنه الواقع فالدخول في شيئية الوجود إنما وقع مرتبا بخلاف ما هي عليه في شيئية الثبوت فإنها كلها غير مرتبة لأن ثبوتها منعوت بالأزل لها والأزل لا ترتيب فيه ولا تقدم ولا تأخر ولما كان في الأسماء الإلهية عام وأعم وخاص وأخص صح في الأسماء الإلهية التقدم والتأخر والترتيب فبهذا قبلت شيئيات الوجود الترتيب فما من وقت يمر عليك هنا لا يظهر فيه ممكن معين ثم يظهر في الوقت الثاني إلا وبقاؤه في شيئية ثبوته مرجح في الوقت الذي لم تقم به شيئية وجوده إذ لو لم يكن مرجحا لوجد في الوقت الذي قلنا إنه مر عليه فلم يوجد فيه فصار بقاء كل ممكن مرجحا في حال عدمه وإن كان العدم له أزلا كما إن قبوله لشيئية وجوده مرجح وهذا من أعجب دقائق المسائل إن فكرت فيه فتوقف حكم الإرادة على حكم العلم ولهذا قال إذا أردناه فجاء بظرف
(٢٨٠)