فهم لهم ما لكون فملكوها بتمليك الله بخلاف الإنسان الحيواني فإنه يملكها عند نفسه بنفسه غافلا عن إنعام الله عليه بذلك فيتصرف في المخلوقات الإنسان الحيوان بحكم التبعية ويتصرف الإنسان الكامل فيها بحكم التمليك الإلهي فتصرفه فيها بيد الله وبمال الله الذي آتاه كما قال تعالى آمرا في حق المماليك وآتوهم من مال الله الذي آتاكم فكل مخلوق في العالم فمضاف خلقه إلى يد إلهية لأنه قال مما عملت أيدينا فجمع فكل يد خالقة في العالم فهي يده يد ملك وتصريف فالخلق كله لله ألا له الخلق والأمر وقد ورد أن شجرة طوبى غرسها الله بيده وخلق جنة عدن بيده فوحد اليد وثناها وجمعها وما ثناها إلا في خلق آدم ع وهو الإنسان الكامل ولا شك أن التثنية برزخ بين الجمع والإفراد بل هي أول الجمع والتثنية تقابل الطرفين بذاتها فلها درجة الكمال لأن المفرد لا يصل إلى الجمع إلا بها والجمع لا ينظر إلى المفرد إلا بها فبالإنسان الكامل ظهر كمال الصورة فهو قلب لجسم العالم الذي هو عبارة عن كل ما سوى الله وهو البيت المعمور بالحق لما وسعه يقول تعالى في الحديث المروي ما وسعني أرض ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن فكانت مرتبة الإنسان الكامل من حيث هو قلب بين الله والعالم وسماه بالقلب لتقليبه في كل صورة كل يوم هو في شأن وتصريفه واتساعه في التقليب والتصريف ولذلك كانت له هذه السعة الإلهية لأنه وصف نفسه تعالى بأنه كل يوم في شأن واليوم هنا الزمن الفرد في كل شئ فهو في شؤون وليست التصريفات والتقليبات كلها في العالم سوى هذه الشؤون التي الحق فيها ولم يرد نص عن الله ولا عن رسوله في مخلوق أنه أعطى كن سوى الإنسان خاصة فظهر ذلك في وقت في النبي ص في غزوة تبوك فقال كن أبا ذر فكان أبا ذر وورد الخبر في أهل الجنة أن الملك يأتي إليهم فيقول لهم بعد أن يستأذن في الدخول عليهم فإذا دخل ناولهم كتابا من عند الله بعد أن يسلم عليهم من الله فإذا في الكتاب لكل إنسان يخاطب به من الحي القيوم الذي لا يموت إلى الحي القيوم الذي لا يموت أما بعد فإني أقول للشئ كن فيكون وقد جعلتك تقول للشئ كن فيكون فقال ص فلا يقول أحد من أهل الجنة للشئ كن إلا ويكون فجاء بشئ وهو من أنكر النكرات فعم وغاية الطبيعة تكوين الأجسام وما تحمله مما لا تخلو عنه وتطلبه بالطبع ولا شك أن الأجسام بعض العالم فليس لها العموم وغاية النفس تكوين الأرواح الجزئية في النشآت الطبيعية والأرواح جزء من العالم فلم يعم فما أعطى العموم إلا الإنسان الكامل حامل السر الإلهي فكل ما سوى الله جزء من كل الإنسان فاعقل إن كنت تعقل وانظر في كل ما سوى الله وما وصفه الحق به وهو قوله وإن من شئ إلا يسبح بحمده ووصف الكل بالسجود وما جعل لواحد منهم أمرا في العالم ولا نهيا ولا خلافة ولا تكوينا عاما وجعل ذلك للإنسان الكامل فمن أراد أن يعرف كماله فلينظر في نفسه في أمره ونهيه وتكوينه بلا واسطة لسان ولا جارحة ولا مخلوق غيره فإن صح له المعنى في ذلك فهو على بينة من ربه في كماله فإنه عنده شاهد منه أي من نفسه وهو ما ذكرناه فإن أمر أو نهى أو شرع في التكوين بوساطة جارحة من جوارحه فلم يقع شئ من ذلك أو وقع في شئ دون شئ ولم يعم مع عموم ذلك بترك الواسطة فقد كمل ولا يقدح في كماله ما لم يقع في الوجود عن أمره بالواسطة فإن الصورة الإلهية بهذا ظهرت في الوجود فإنه أمر تعالى عباده على السنة رسله ع وفي كتبه فمنهم من أطاع ومنهم من عصى وبارتفاع الوسائط لا سبيل إلا الطاعة خاصة لا يصح ولا تمكن إباية قال ص يد الله مع الجماعة وقدرته نافذة ولهذا إذا اجتمع الإنسان في نفسه حتى صار شيئا واحدا نفذت همته فيما يريد وهذا ذوق أجمع عليه أهل الله قاطبة فإن يد الله مع الجماعة فإنه بالمجموع ظهر العالم والأعيان ليست إلا هو أنظر في قوله تعالى ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ثم قال ولا أدنى من ذلك وهو ما دون الثلاثة ولا أكثر وهو ما فوق الثلاثة إلى ما لا يتناهى من العدد إلا هو معهم أينما كانوا وجودا أو عدما حيثما فرضوا فهو سبحانه ثان للواحد فإن المعية لا تصح للواحد من نفسه لأنها تقتضي الصحبة وأقلها اثنان وهو ثالث للاثنين ورابع للثلاثة وخامس للأربعة بالغا ما بلغ وإذا أضيفت المعية للخلق دون الحق فمعية الثاني ثاني اثنين ومعية الثالث للاثنين ثالث ثلاثة ومعية الرابع للثلاثة رابع أربعة بالغا ما بلغ لأنه عين ما هو معه في المخلوقية فهو من جنسه والحق ليس كذلك فليس كمثله شئ فليس بثالث ثلاثة ولا خامس خمسة فافهم
(٢٩٥)