آدم الأسماء كلها ولم يذكر حقائق المسميات فعلم بعضا ولم يعلم بعضا فالمسميات هو قوله هؤلاء وهي المشار إليها في قوله تعالى أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين وأراد بالأسماء هنا الأسماء الإلهية التي استند إليها المشار إليهم بهؤلاء في إيجادهم وأحكامهم توبيخا للملائكة وتقريرا يقول هل سبحتموني بهذه الأسماء أو قدستموني بها حيث قالوا ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك فزكوا نفوسهم وجرحوا خليفة الله في أرضه ولم يكن ينبغي لهم ذلك ولكن لتعلم إن أحدا من العالم ما قدر الله حق قدره إذ لا أعلم من الملائكة بالله وما ينبغي لجلاله من التعظيم ومع هذا قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها فهذه الأداة هنا لا ينبغي أن تكون إلا من الأعلى في حق الأدنى مثل قوله تعالى أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله بل أشد من هذا هو قولهم أتجعل فيها من يفسد فيها لما رأوا جهة الشمال ولم يروا * منه يمين القبضة البيضاء فإن قوله أأنت قلت للناس قد يكون تقريرا للحجة على من عبد عيسى ع وأمه وقالوا إنهما إلهان فإذا قال عيسى ع في الجواب سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق والمدعي يسمع ذلك وقد علم بقرينة الحال والموطن ذلك المدعي إن عيسى ليس من أهل الكذب وأن إنكاره لما ادعوه صحيح علمنا عند ذلك أنه تعالى أراد توبيخهم وتقريرهم فالاستفهام لعيسى ع والتقرير والتوبيخ لمن عبده فإن الاستفهام لا يصح من الله جملة واحدة ويصح منه تعالى التقرير لإقامة الحجة والتوبيخ فإن الاستفهام على الحقيقة لا يكون إلا ممن لا يعلم ما استفهم عنه وأما ظلمة البعد في قوله تعالى يا أيها الناس ويا أيها الذين آمنوا وفي مثل قوله وتوبوا إلى الله جميعا إيه المؤمنون وأمثاله فهذا من حكم الأسماء الإلهية إذ كان لكل وقت اسم إلهي له الحكم في عين ما من أعيان العالم فإن كان من الأسماء التي أحكامها تناقض حكم ما أمر به المكلف أو نهي عنه فإن الاسم الإلهي الذي يعطيهم موافقة ما أمر الله به هذا المخالف أو نهى عنه بعيد عنه فيناديه ليرجع إليه ويصغي إلى ندائه ليكون له الحكم فيه سواء كان الدعاء من قريب أو بعيد لكنه بالضرورة لعدم الموافقة فيما أمر الله به بعيد ألا ترى الإشارة تكون مع القرب من المشير والمشار إليه إذا كان معهما ثالث لا يريد المخبر أو المخبر أو هما أن يعلم الثالث الحاضر ما يريد المخبر أن يلقيه إلى صاحبه فيشير إليه من حيث لا يعلم الثالث والإشارة عند القوم نداء على رأس البعد ويقولون أيضا أبعدكم من الله أكثركم إشارة إليه والعلة في ذلك أنها تدل على الجهل بالله تعالى فلا فرق بينه في تلك الحالة وبين من لا يبلغه الصوت وتبلغه الإشارة فهذه كلها ظلمة قد حجبت الثالث عن علم ما بين الاثنين فهذه ظلمة الدعاء والإشارة فاجعل بالك فإن الله قد نبه أقواما من عباده وأيه بهم على أمور بكلام لا يفهمه إلا المرادون به وهو الرمز قال تعالى أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا وأما ظلمة التسوية بين الأمرين فإنما سميت ظلمة لأن التسوية بين الأمرين محال لأن التسوية المحققة المثلية من جميع الوجوه لا من بعض الوجوه ولا من أكثرها محال بين الأمرين قال تعالى سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لأنهم قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين فكان الله حكى لنبيه ص وعرفه بأن حالهم ما ذكروه عن نفوسهم فهذه ظلمة قد تكون ظلمة جهل وقد تكون ظلمة جحد لهوى قام بهم وهو من أشد الظلم ولكن هذه كلها سدف سحرية بالنظر والإضافة إلى ظلمة الجهل الذي هو نفي العلم من المحل بالكلية وهو قوله فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فنفى العلم والطرق الموصلة إليه العلم بذلك فهذه أشد ظلمة في العالم إلي فإن اعتقاد الشئ على خلاف ما هو به قد علم الشئ وما علم حقيقته أي علم في الجملة أن اسمه كذا ثم اعتقد فيه ما ليس هو عليه فقد اعتقد أمرا ما فظلمته دون ظلمة نفي العلم من المحل كما قال تعالى في أمثالهم وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون وهذه شائعة في الشقي والسعيد ففي السعيد فيمن مات على غير توبة وهو يقول بإنفاذ الوعيد فيغفر له فكان الحكم للمشيئة فسبقت بسعادتهم فتبين لهم عند ذلك أنهم اعتقدوا في ذلك الأمر خلاف ما هو ذلك الأمر عليه فإن الذي هو عليه إنما هو الاختيار والذي عقدوا عليه كان عدم الاختيار فمثل هذا يسمى ظلمة الشبهة يا بنى الزوراء ما لي ولكم * إنني آل لمن لا يهتضم
(٢٧٨)