والمفكرة والمصورة وكل ما يقع به إدراك فليس إلا النور وأما المدركات فلو لا أنها في نفسها على استعداد به تقبل إدراك المدرك لها ما أدركت فلها ظهور إلى المدرك وحينئذ يتعلق بها الإدراك والظهور نور فلا بد ان يكون لكل مدرك نسبة إلى النور بها يستعد إلى أن يدرك فكل معلوم له نسبة إلى الحق والحق هو النور فكل معلوم له نسبة إلى النور فبالنور أدركت المحال ولولا ظهور المحال وقبوله بما هو عليه في نفسه لأدرك المدرك ما أدركته ولهذا ينسحب على كل قسم من أقسام العقل كما ينسحب عليها أيضا أعني على الأقسام الوجوب فنقول محال على الواجب الوجود بالذات أن يقبل العدم ومحال على الممكن أن يقبل الوجود الذاتي ومحال على المحال أن يقبل الإمكان وكذلك تقول في الوجوب واجب للممكن أن يكون نسبة العدم إليه والوجود نسبة واحدة وواجب للمحال أن لا يوصف بالإمكان ولا نقل مثل هذا في الإمكان لا تقل ممكن للمحال أن يكون على كذا أو على كذا وممكن للواجب أن يكون على كذا أو على كذا فيدخل الممكن تحت حكم الواجب أو المحال ولا يدخل الواجب ولا المحال تحت حكم الممكن ولهذا لا يجوز أن يقال في الواجب إنه يمكن أن يفعل به كذا ولا يفعل وإنما الذي يقال ويصح أن يقال في الممكن إنه يمكن أن يفعل به كذا أو لا يفعل وهذه مسألة أغفلها كثير من الناس فقد علمت أنه ما ثم معلوم من محال أو غيره إلا وله نسبة إلى النور ولولا ذلك النور الذي له إليه نسبة ما صح أن يكون معلوما فلا معلوم إلا الله وعلى الحقيقة فلا يدري أحد ما يقول ولا كيف تنسب الأمور مع كونه يعقلها والعبارات تقصر عن الإحاطة بها على وجهها فإن الله عليم بكل شئ من حيث ما لذلك الشئ من النور الذي به يكون معلوما والعدم والمحال معلومان فلا شئ غير الشئ إذ ليس غيره * فمن كونه نورا يحيط به العلم فإذا حققت ما أشرنا إليه وقفت على حقائق المعلومات كيف هي في أنفسها في اتصافها بوجود أو عدم أو لا وجود ولا عدم أو نفي أو إثبات فهذا هو العلم الغريب فإن تكن * من أصحابه أنت الغريب ولا تدري كما ثم من يدري بغربته وذا * أتم وجودا في مطالعة الأمر فسبحان من أحيا الفؤاد بنوره * ونوره بالفكر وقتا وبالذكر وأما النور الذي لا يدرك وهو قوله ص نوراني أراه فإن ذلك لاندراج نور الإدراك فيه فلم يدركه لأنه ليس هو عنه بأجنبي فهو كالجزء عاد إلى كله إذ لا يصح اسم الكل عليه ما لم يحو على أجزائه فاندرج الجزء في الكل وليس الكل غير أجزائه فالكل يدرك أجزاءه جزءا جزءا والجزء لا يدرك الكل ولهذا يعلم الحق الجزئيات ولا تعلمه الجزئيات وإذا علم الجزء الكل فما يعلم منه إلا عين جزئيته فإنه علم كل في نفسه لنفسه وقد لا يعلم أنه جزء لكل ولهذا تتفاضل الناس في العلم فالعالم بالشئ من لم يبق له في ذلك المعلوم وجه إلا علمه منه وإلا فقد علم منه ما علم وأما النور الذي يدرك ويدرك به غيره فهو نور مكافئ لنور الإدراك فيصحبه ولا يندرج فيه فيدركه ويدرك به ما كشفه له وما انكشف له ما انكشف إلا بالنورين نور الإدراك ونور المدرك ولولا وجود نور الإدراك لما ظهرت الأشياء فلا يظهر شئ بنور المدرك من غير نور الإدراك وقد يظهر بعض الأشياء لنور الإدراك ولكن بنور المدرك وإن لم يدركه به كما قلنا في نسبة كل معلوم إلى النور الذي لولاه ما علم فالبصر يدرك به كما قلنا في نسبة كل معلوم إلى النور الذي لولاها ما علم فالبصر يدرك الظلمة نفسها ولا يدرك بها غيرها إذا كان الإدراك بالبصر خاصة (وصل) وأما الظلم المعنوية كظلمة الجهل فإنها مدركة للعالم ما لم تقم بالجاهل فإذا قامت به لم يدركها إذ لو أدركها كان عالما وما عدا ظلمة الجهل من الظلم فإنها تدرك كلها ثم لتعلم أنه إن كان الجهل نفي العلم عن المحل بأمر ما فكل ما سوى الله جاهل أي ظلمة الجهل له لازمة لأنه ليس له علم بإحاطة المعلومات ولذلك أمر الله رسوله ص بطلب الزيادة من العلم فقال له وقل رب زدني علما وإن كانت ظلمة الجهل عبارة عن اعتقاد الشئ على خلاف ما هو به أي شئ كان فأهل الله قد أخرجهم من هذه الظلمة فإنهم لا يعتقدون أمرا يكون في نفسه على خلاف ما يعتقدونه وقال تعالى وعلم
(٢٧٧)