أشق ما يجري على الإنسان فلما علم الله أنكم لا يقوم عندكم إخراج الرسول مع بقائكم في أوطانكم ذلك مقام ما يستحقه الرسول منكم قال وإياكم فشرككم في الإخراج مع الرسول كما شرككم في العداوة مع الله لتكونوا أحرص على أن لا تلقوا إليهم بالمودة وأن تتخذوهم أعداء والمؤمنون هنا كل ما سوى الرسول فإن الرسول إذا تبين له أن شخصا ما عدو لله تبرأ منه قال تعالى في حق إبراهيم وأبيه آزر بعد ما وعظه وأظهر الشفقة عليه لكونه كان عنده في حد الإمكان أن يرجع إلى الله وتوحيده من شركه فلما بين الله له في وحيه وكشف له عن أمر أبيه وتبين إبراهيم أن أباه آزر عدو لله تبرأ منه مع كونه أباه فأثنى الله عليه فقال فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه وقد كان إبراهيم في حق أبيه أواها حليما لا الآن وقد ورد في الخبر أن إبراهيم يجد أباه بين رجليه في صورة ذيخ فيأخذه بيده فيرمي به في النار فانظر ما أثر عند الخليل إيثاره لجناب الحق من عداوة أبيه في الله تعالى فالله يجعلنا ممن آثر الحق على هواه وأن يجعل ذلك مناه فما أعظمها عندي من حسرة حيث لم نكن بهذه المثابة عند الله حتى نكتفي بذكر عداوتهم لله وإخراج الرسول فهنا ينبغي أن تسكب العبرات فالسعيد من وجد ذلك من نفسه فلم يدخل تحت هذا الخطاب وعلى قدر ما ينقصك من هذا الحال ينقصك من المعرفة بالله ومن الوقت الذي فتح الله علي في هذا الطريق ما لقيت أحدا على هذا القدم فعرفته به وإن كان عليه في نفس الأمر ولكن ما عرفني الله به وربما عرضت له به فلم أجد عنده إلا النقيض لكني أعلم أن في الأرض عبادا لهم هذا المقام فالحمد لله الذي فتح علي به ونرجو إن شاء الله البقاء عليه فإن أكثر أبواب المعرفة بالله تحول بين هذا المقام وبين المؤمنين والعلماء فهو مقام غامض صعب التصور تقدح فيه معارف إلهية كثيرة ومتى لم يحصل لأحد هذا المقام ذوقا فاعلم أنه بينه وبين من هو عدو لله مناسبة ولتلك المناسبة لم يتبرأ منه إذا تبين له لأنه قبل التبيين يعذر قال تعالى ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وقال وما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه فليس بأصحاب الجحيم إلا أعداء الله تعالى الذين هم أهل الجحيم فكن مع الحق لا تبغي به بدلا * وأفرد الحق لا تضرب له مثلا والله ولي الإعانة والتوفيق واعلم أن هذا المنزل يحوي على علم الزيادة من الخير وفيه علم ما يتميز به الحق من الباطل والحدود التي تفصل بين الأشياء وتميز بعضها عن بعض وفيه علم عبيد الكنايات لا عبيد الأسماء وما بينهما من المراتب في الرفعة والشرف ومن أشد وصلة في العبودية هل عبد الكناية أو عبد الاسم وفيه علم ما يتعلق بالعالم كله من العلوم وفيه علم ما يختص به الحق من الصفات دون خلقه وفيه علم التنزيه لماذا يرجع هل لوجود أو لعدم وفيه علم الموازين وفيه علم ما أوجب اتخاذ الشريك في العالم وكل مولود فإنما يولد على الفطرة فمن أين كفر الأول وأبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه أو يشركانه أو يمجسانه وهل العقل ينزل هنا من حيث فكره منزلة الأبوين في كون هذا الشخص قد أخرجه نظره من فطرته إلى إثبات الشريك وفيه علم ما يملكه الإنسان بذاته مما لا يملكه وتصرفه فيما لا يملكه لما ذا تصرف فيه وفيه علم ما يؤول إليه قائل الزور والشاهد به وكون الحاكم غير معصوم باتباع هواه ولما ذا أبقاه الله حاكما في ظاهر الأمر وإن كان معزولا في باطن الأمر فيما حكم فيه بهواه وقوله تعالى قل رب احكم بالحق وفيه علم العلامات التي يعرف بها الصادق من الكاذب وهي من العلامات التي لا تنقال بل يجدها الإنسان من نفسه إذا كان من أهل المراقبة لأحواله فلا يفوته علم ذلك ومن لم تكن المراقبة حاله فإنه لا يعرف تلك العلامات أصلا والمؤمنون أحق بمعرفتها من أصحاب النظر وفيه علم ما يختص به الشيوخ في هذا الطريق يعرف به حال المريدين متى يستحقون أن يكونوا مريدين وأن يقبل عليهم الشيخ قبول إفادة وليس للشيخ في هذا الطريق أن ينبه المريد على صورة ما يكون بحصول معناها في نفسه حصول الفتح له ونيل السعادة لئلا يظهر بالصورة في ذلك والباطن معرى عن المعنى الموجب لتلك الصورة فإن قلت فهذا لا ينبغي للشيخ أن يستره عن المريد قلنا بل ينبغي أن يستره عن المريد وواجب عليه ذلك لعلمه أن المعنى الموجب لظهور تلك الصورة إذا قام بالمريد أوجب له ظهور تلك الصورة فيعلم الشيخ عند ذلك أن الله قد أهل ذلك المريد
(٢٧٢)