بواجب الوجود لذاتك فقلت فمن لي بنور لا ظلمة فيه قيل لي لا تجده أبدا فقلت إذا فلا أشاهد موجدي أبدا فإنه النور المحض والوجود الخالص فقيل لي لا تشاهده أبدا إلا منك ولهذا لا تراه أبدا في صورة واحدة فلا تحيط به علما فلا يتحلى ولا يشهد كما يشهد نفسه فإنه غني عن العالمين فما يستدل عليه إلا به فلا يعرف إلا من طريق الكشف والشهود على حد ما ذكرناه وأما بالأدلة النظرية فلا يعلم إلا حكمه لا عينه فلهذا يحكم العقل بدليله على ما يستلزمه هذا الموجود الواجب الوجود مما يفتقر الممكن إليه فيه فهذا القدر يدل عليه ويعطيه الشهود رتبة فوق هذا تذاق ولا تنقال ولا تنحكى فلما أشهدني الله ذاتي وأشهدني هيكلي أشهدني بعد هذا نسبة العالم كله إلي وتوجهه علي في إيجاد عيني فرأيت تقدمه علي وآثاره في وعلمت انفعالي عنه وأنه لولاه ما كان لي وجود عيني فذللت في نفسي حيث أنا تحت قهر ممكن مثلي وعلمت عند ذلك أني من القليل الذين يعلمون أن خلق السماوات وهي الأسباب العلوية لوجودي والأرض وهي الأسباب السفلية لوجودي أكبر من خلق الناس قدرا لأن لها نسبة الفاعلية وللناس نسبة الانفعال فأدركني انكسار يكاد أن يؤيسني عن مشاهدة الحق من حيث ما تشهده هذه الأسباب التي لها علي في القدر شفوف الفاعلات فلما حصل عندي ذلك الانكسار قيل لي هذه الأسباب وإن كان لها هذا القدر عليك في المرتبة فيما ظهر فاعلم إنك العين المقصودة فما وجدت هذه الأسباب إلا بسببك لتظهر أنت فما كانت مطلوبة لأنفسها فإن الله لما أحب أن يعرف لم يمكن أن يعرفه إلا من هو على صورته وما أوجد الله على صورته أحدا إلا الإنسان الكامل لا الإنسان الحيوان فإذا حصل حصلت المعرفة المطلوبة فأوجد ما أوجد من الأسباب لظهور عين الإنسان الكامل فاعلم ذلك فجبر هذا التعريف الإلهي انكساري وعلمت أني من الكمل وأني لست بإنسان حيوان فقط فشكرت الله على هذه المنة فلما أشهدني نسبة العالم إلي ونسبتي إلى العالم وميزت بين المرتبتين وعلمت إن العالم كله لولا أنا ما وجد وأنه بوجودي صح المقصود من العلم الحادث بالله والوجود الحادث الذي هو على صورة الوجود القديم وعلمت إن العلم بالله المحدث الذي هو على صورة العلم بالله القديم لا يتمكن أن يكون إلا لمن هو في خلقه على الصورة وليس غير الإنسان الكامل ولهذا سمي كاملا وأنه روح العالم والعالم المسخر له علوه وسفله وإن الإنسان الحيواني من جملة العالم المسخر له وإنه يشبه الإنسان الكامل في الصورة الظاهرة لا في الباطن من حيث الرتبة كما يشبه القرد الإنسان في جميع أعضائه الظاهرة فتأمل درجة الإنسان الحيوان من درجة الإنسان الكامل واعلم من أي الأناسي أنت فإنك على استعداد قبول الكمال لو عقلت ولهذا تعين التنبيه والإعلام من العالم فلو لم تكن على استعداد يقبل الكمال لم يصح التنبيه ولكان التعريف بذلك عبثا وباطلا فلا تلومن إلا نفسك في عدم القبول لما دعيت إليه فإن الداعي ما دعا إلا على بصيرة ليلحقك بذاته في البصيرة فإذا علمت هذا وأشهدك الحق نسبة العالم إليك بقي عليك إن تعلم نسبة الحق إليك ونسبتك إليه فأوقفني الحق على نسبة الأسماء الإلهية إلي لتحصل لي الصورة المقصودة فتنطلق على جميع الأسماء الإلهية التي تنطلق عليه تعالى لا يفوتني منها اسم بوجه من الوجوه فاعلم إن الاسم لما كان يدل على المسمى بحكم المطابقة فلا يفهم منه غير مسماه كان عينه في صورة أخرى تسمى اسما فالإسم اسم له ولمسماه وأراد الله سبحانه أن يعرف كما قررناه بالمعرفة الحادثة لتكمل مراتب المعرفة ويكمل الوجود بوجود المحدث ولا يمكن أن يعرف الشئ إلا نفسه أو مثله فلا بد أن يكون الموجود الحادث الذي يوجده الله للعلم به على صورة موجدة حتى يكون كالمثل له فإن الإنسان الكامل حقيقة واحدة ولو كان بالشخص ما كان مما زاد على الواحد فهو عين واحدة وقال فيه ليس كمثله شئ فجعله مثلا ونفى أن يماثل فلما نصبه في الوجود مثلا تجارت إليه الأسماء الإلهية بحكم المطابقة من حيث ما هي الأسماء ذات صور وحروف لفظية ورقمية كما إن الإنسان ذو صورة جسمية فكانت هذه الأسماء الإلهية على هذا الإنسان الكامل أشد مطابقة منها على المسمى الله ولما كان المثل عن مثله متميزا بأمر ما لا يتمكن أن يكون ذلك الأمر إلا له ولا يكون لمثله كان الأمر في الأسماء التي يتميز المثل عن مثله به ولا يشاركه فيه من جانب الحق الاسم الله فعين ما اختص به المثل عن مثله وكان للمثل الآخر الاسم الإنسان الكامل الخليفة مما اختص به هذا المثل الكوني وأسماء الحق الباقية مركبة
(٢٦٦)