ولعل السر في ذلك هو: ان الحارث، وإن كان قد نقض الجوار، الذي قد يقال: إنه يعني الالتزام بعدم الاعتداء، حفظا للجوار، مع أن البعض كالزهري، وبني مرة ينكرون ان يكون الحارث قد فعل ذلك، ويصرون على أنه لم يحضر حرب الخندق الا ان عيينة قد زاد على ما فعله الحارث: انه لم يحفظ الجميل، بل جازى الاحسان إليه بالإساءة، ولكنها إساءة جاءت على درجة كبيرة من القبح، لأنها تضمنت خروجا على كل الأعراف، والقيم، وحتى أعراف الجاهلية. فقد تقدم ان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان قد سمح لعيينة، حينما أجدبت ارضه: ان يرعى في منطقة نفوذ وسيطرة وحاكمية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، لينقذهم من الخطر الذي يتهددهم، ويساعدهم على التغلب على المشكلة الحياتية التي يعانون منها، رغم انهم كانوا يختلفون معه (صلى الله عليه وآله)، من جهة انهم كانوا على شركهم وضلالهم. ففعل (صلى الله عليه وآله) ذلك من دون اي مقابل، ودون ان يسجل لنفسه اي امتياز وقد عرف عن العرب انهم يعتزون ببعض المعاني التي يرون فيها شيئا من القيمة، مثل: حسن الجوار، وحفظ الجوار، والوفاء بالعهد، ومقابلة الاحسان بمثله. ويعتبرون ذلك هو الرصيد الذي يؤهلهم لاحتلال مواقع اجتماعية متميزة، حتى إذا ما تبين لهم ان أحدا لا يملك شيئا من هذا الرصيد، فإنه يبوء بذل العمر، وعار الدهر، وهو عندهم ساقط ومرذول، أو هكذا زعموا ولكن الأمور عند هؤلاء الناس قد انعكست الآن، حيث أصبح العداء للاسلام ولنبي السلام هو العمل الصالح عندهم الذي يبيح لهم كل محرم، وتتهاوى وتسقط معه كل قيمهم ومثلهم، التي يعتزون بها،
(٦٨)