والجزم بأن المراد هو الخلافة، ثم ترتيب أحكام واستنتاجات معينة على ذلك، ليس بأولى من الجزم بغيره، فلا بد من ترجيح أحد هذه الوجوه بالقرائن. وليس ثمة ما يوجب الالتزام بخصوص هذا المعنى دون سواه مما ذكر.
بل إن في الآية التي تلي تلك الآية ما يؤيد أن المراد بالآية أمرا اعتقاديا، أو نحو ذلك، وليس الخلافة، فقد قال تعالى: (انا عرضنا الأمانة على السماوات، والأرض، والجبال، فأبين أن يحملنها، وأشفقن منها، وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا. ليعذب الله المنافقين والمنافقات، والمشركين والمشركات، ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات، وكان الله غفورا رحيما).
2 - بالنسبة لاية استخلاف آدم، ليس فيها ما يشير إلى أن المراد هو استخلاف النوع البشري، الا قول الملائكة: أتجعل فيها من يفسد فيها، ويسفك الدماء؟!. وهذا لا يدل على أكثر من أن الملائكة قد فهموا: أن هذا المخلوق الجديد (الخليفة) له طبيعة فيها مقتضيات الشر، تقتضي ما ذكروه، ولا تدل على أن الخلافة قد منحت لكل من له هذه الطبيعة.
3 - ثم، ما المراد بهذا الاستخلاف؟ هل هو الحكم والامارة؟، أم هو التسليط على الكون وما فيه في حدود قدراته، واعطاؤه حق التصرف في ما خلقه الله، على قاعدة قوله تعالى: (هو أنشأكم من الأرض، واستعمركم فيها) ولذلك هو يطلب منهم شكر هذه النعمة، والايمان بالله تعالى؟ الظاهر هو الثاني.
ويؤيد ذلك: أن من يطالع آيات الاستخلاف يجد: أن أكثرها ناظر إلى البشر جميعا، مؤمنهم وكافرهم، ثم هي تهدد الكافرين، وتتوعدهم.
ومما يؤيد أن يكون المراد بالخلافة في أكثر الآيات، هو اعمار الكون: أنه إذا كان البشر خلفاء، فهم خلفاء على أي شئ؟! انهم خلفاء