الحاكمة، ولذلك لم يعتن عمر بغضب عائشة، ومنعها إياه من دخول بيتها حين وفاة أبي بكر، فضرب أمر فروة أخت أبي بكر بدرته، وقد فعل هذا رغم أن البكاء والنوح كان على صديقه أبي بكر، وكان هجومه على بيت عائشة، وكان ضربه لأخت أبي بكر. وهو الذي كان يهتم بعائشة ويحترمها، وهي المعززة المكرمة عنده، ويقدر أبا بكر ومن يلوذ به، ويحترم بيته بما لا مزيد عليه.
نعم لقد فعل كل هذا لان الناس لم ينسوا بع منع السلطة لفاطمة (ع) من النوح والبكاء على أبيها. وناهيك بهذا الاجراء جفاء وقسوة: أن يمنع الانسان من البكاء على أبيه، فكيف إذا كان هذا الأب هو النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أعظم، وأكمل، وأفضل انسان على وجه الأرض.
ثم لما ارتفع المانع، ومضت مدة طويلة، وسنين عديدة على وفاة سيدة النساء (ع)، ونسي الناس أو كادوا، أو بالأحرى ما عادوا يهتمون بهذا الامر، ارتفع هذا المنع على يد عمر نفسه، وبكى على النعمان بن مقرن الذي توفي سنة 21 ه وعلى شيخ آخر، وسمح بالبكاء على خالد بن الوليد، الذي توفي سنة 21 أو 22 حسبما تقدم.
وهذا غير ما تقدم قبل صفحات عن مصادر كثيرة: من النهي عن خمش الوجوه، وشق الثياب، واللطم، والنوح بالباطل. فإنه غير البكاء وهياج العواطف الانسانية الطبيعية. وذلك لان الأول ينافي التواضع لله عز وجل والتسليم لقضائه، أما الثاني فهو من مقتضيات الجبلة الانسانية، ودليل اعتدال سجية الانسان. وشتان ما بينهما.
التوراة، والمنع من البكاء على الميت:
ويبدو لنا أن المنع من البكاء على الميت مأخود من أهل الكتاب،