مسلما - إذا صح، أنه أسلم في بدر - وقريش لم تكن لترحم أحباءها وأبناءها إذا علمت باسلامهم، ولا سيما بعد تلك النكبة الكبرى التي أصابتها على يد ابن أخيه في بدر، حيث قتل أبناءها وآباءها وأشرافها؟
الا أن يقال: إنه كان مسلما سرا، وقد أمره (ص) بالبقاء في مكة، ليكون عينا له، ولازم ذلك هو أن يتظاهر بالشرك، وأنه معهم، وعلى دينهم. وقد تقدمت بعض تساؤلات حول وضع العباس في مكة في غزوة بدر، فلا نعيد.
المشركون، وأزمة الثقة:
ويلاحظ هنا: أن أبا سفيان لم يكن يثق بمن هم على دينه، ولا يستطيع أن يعتمد عليهم، ولذلك نراه يبادر إلى اتهامهم بأنهم قد أخبروا محمدا بمسيرهم، وعددهم، وحذروه منهم.
وقد أشير إلى هذه الحالة في حديث سدير، قال: قلت لأبي عبد الله: اني لألقى الرجل لم أره ولم يرني فيما مضى قبل يومه ذلك، فأحبه حبا شديدا، فإذا كلمته وجدته لي مثلما أنا عليه له، ويخبرني: أنه يجد لي مثل الذي أجد له.
فقال: صدقت يا سدير، ان ائتلاف قلوب الأبرار إذا التقوا - وان لم يظهروا التودد بألسنتهم - كسرعة اختلاط قطر السماء مع مياه الأنهار، وان بعد ائتلاف قلوب الفجار إذا التقوا - وان أظهروا التودد بألسنتهم - كبعد البهائم عن التعاطف، وان طال اعتلافها على مذود واحد (1).
ويمكن ان يستفاد هذا المعنى أيضا من بعض الآيات القرآنية، قال تعالى: