منهما تعطينا: أنه (ص) كان يعامل كل أحد - بالدرجة الأولى - على أنه انسان. ثم يقاوم فيه شركه وانحرافه بالأساليب الانسانية أولا أيضا.
أي أنه يعتبره يحوي سائر الخصائص الانسانية، فيتعامل معه على أساس الصدق، والوفاء، والأمانة وغير ذلك من خصائص انسانية. وذلك من أجل تشجيع هذه الخصائص، واعطائها الفرصة للنمو والتكامل، على أمل أن يكون ذلك موجبا لتسهيل مهمته التبليغية والاقناعية في المستقبل، ومن ثم لتلافي الكثير من المشكلات التي لا مبرر لها، وانما تخلقها النزوات غير الانسانية، في طريق الدعوة إلى الله تعالى، والاقناع بالحق والخير.
ولكنه حين يثبت له (ص): أن الطرف الآخر، لا ينطلق في مجمل مواقفه من خصائص انسانية، وانما من نزوات غير انسانية، ومن شيطنة، ومكر، فإنه (ص) حينئذ يقف منه الموقف الحازم الذي لابد منه. وهو يحسن إليه والى مجتمعه حينما يقضي على تلك الروح البهيمية، والنزوات الشيطانية فيه، لان الله قد خلقه ليكون انسانا، لا ليكون حيوانا، يحمل انسانيته كل مشقات ومتاعب النزوات الحيوانية تلك.
كما أنه يكون قد أحسن لبناته اللواتي لن يكون في صالحهن: أن يكون المشرف على قضاياهن وشؤونهن مخلوقا لا يحمل - أو فقل -: لا أثر في حياته للخصائص والمزايا الأولية للانسان.
وعليه، فإذا قبل النبي X (ص) أن يمن على أبي عزة الجمحي في بدر من أجل بناته، ثم رفض ذلك هنا، فإنه لا يكون بين كلا موقفيه أي تناقض أو اختلاف، بل هو مصيب في الحالتين، وهو قد أحسن لبناته أول مرة، وكان احسانه لهن في هذه المرة أعم وأعظم.
هذا كله عدا عن أنه (ص) يكون قد أعطى المثل الاعلى للمؤمن الواعي واليقظ، الذي لا يخدع ولا يستغل فإنه: لا يلدغ المؤمن من جحر