رفض قبولهم في هذه الغزوة بالذات، وأرجعهم كما سنرى.
ه: لبس لامة الحرب يعني القتال:
وقد رأينا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن لبس لامة حربه استجابة لرأي الأكثرية، يرفض الرجوع إلى الرأي الأول، لان ذلك معناه أن ينتزع عنه مفهوم خاطئ، يضر بالمصلحة العليا للاسلام والمسلمين، ولا ينسجم مع مركزه كقائد، بل ربما تكون له آثار سيئة وخطيرة على المدى البعيد.
وهذا المفهوم هو أنه رجل ضعيف، تتقاذفه الأهواء والآراء، ولا يملك اتخاذ القرار، بل هو ألعوبة بأيدي أصحابه، والمنتسبين إليه!
كما أن ذلك من شأنه أن يجعل قراراته في المستقبل عرضة للصراعات الفكرية، بين أصحابه، الذين تختلف مستوياتهم فكريا، واجتماعيا، وسياسيا، وايمانيا، وغير ذلك. ويفسح المجال أمام أهل الأطماع، وظهور الاختلاف، ثم التمزق، والفشل الذريع. ولا يعود يملك مجتمعا منضبطا، قويا متماسكا، وقادرا على مواجهة الاخطار والمعضلات الجسام التي تنتظره، والمهمات التي لابد أن يضطلع بها، فضلا عن أن يتحمل هذا المجتمع مسؤولية نشر الاسلام والدفاع عنه في العالم أجمع.
هذا كله عدا عن أن هذا التردد سوف يقلل من قيمة الوحي في نفوسهم، ويضعف - ومن ثم - ارتباطهم بالغيب، وايمانهم به، مع أن هذا ركن أساسي في الدعوة الاسلامية، وفي نجاحها، واطراد تقدمها.
فليكن هذا الموقف منه (ص) درسا لهم، يعلمهم: أنه لا ينبغي لهم أن يعارضوا الوحي الإلهي بعقولهم القاصرة عن ادراك عواقب الأمور.
ومن الجهة الأخرى، فان العدو سوف يرى في هذا التردد ضعفا، وفشلا، ويزيد ذلك في طمعه بالمسلمين، وجرأته عليهم.