فهو (ص) يعطي بذلك نظرة الاسلام الصحيحة للعلم والمعرفة الذي يترك أثره الايجابي حتى بالنسبة لما بعد الموت، وحتى بالنسبة لهؤلاء المتساوين من حيث بذل أغلى ما لديهم في سبيله، وان لم يكونوا متساوين في درجات معرفتهم، وثقافتهم، ووعيهم.
ولقد رأينا أنه (ص) يقول - كما يروي لنا أبو سلمة -: إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمهم أقرؤهم، وإن كان أصغرهم، فإذا أمهم فهو أميرهم (2).
وفي هذا دلالة واضحة على أن الملاك في التقديم هو المعرفة الخالصة، التي تؤهل الانسان لان يكون أكثر خشية لله: (انما يخشى الله من عباده العلماء). وليس هو الجمال، أو الجاه، أو المال، أو النسب، أو غير ذلك، فان ذلك قد رفضه الاسلام والقرآن رفضت قاطعت ونهائيا.
أنا شهيد على هؤلاء:
وكان طلحة بن عبيد الله، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، يقولون:
صلى رسول الله (ص) على قتلى أحد، وقال: (أنا شهيد على هؤلاء.
فقال أبو بكر: ألسنا اخوانهم، أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا؟
قال: بلى، ولكن هؤلاء لم يأكلوا من أجورهم شيئا، ولا أدري ما تحدثون بعدي.
(1) حياة الصحابة ج 2 ص 54، والترغيب والترهيب ج 2 ص 352، وراجع:
المصنف ج 5 ص 165 ففيه ما يشير إلى ذلك.
(2) المصنف للحافظ عبد الرزاق ج 5 ص 165.