وأظهروا في الأرض الفساد وهجروا ملوك إفريقية والمغرب من صنهاجة وولاة أعمالها في الأمصار وملكوا عليهم الضواحي يتحينون جوانبهم ويقعدون لهم بالمراصد ويأخذون لهم الإتاوة على التصرف في أوطانهم ولم يزل هذا دأبهم حتى لقد هجر القاصر بن علناس سكنى القلعة واختط بالساحل مدينة بجاية ونقل إليها ذخيرته وأعدها لنزله ونزلها المنصور ابنه من بعده فرارا من ضيم هذا الجيل وفسادهم بالضواحي إلى منعة الجبال وتوعر مسالكها على رواحلهم واستقروا بها بعد وتركوا القلعة وكانوا يختصون الأثبج من هؤلاء الاحياء بالرياسة سائر أيامهم ثم افترق جمع الأثبج وذهبت بذهاب صنهاجة دولتهم ولما غلب الموحدون سائر الدول بالمغرب في سنى احدى وأربعين وخمسمائة وزحف شيخ الموحدين عبد المؤمن إلى إفريقية وفد عليه بالجزائر أميران منهم لذلك العهد أبو الجليل بن شاكر أمير الأثبج وحباس بن مسيفر من رجالات جشم فتلقاهما بالمبرة وعقد لهما على قومهما ومضى لوجهه وفتح بجاية سنة تسع وخمسين ثم انتقض العرب الهلاليون على دعوة صنهاجة وكان أمير رياح فيهم محرز بن زناد بن بادخ احدى بطون بنى علي بن رياح فلقيهم جيوش الموحدين سطيف وعليهم عبد الله بن عبد المؤمن فتوافقوا ثلاثا علقوا فيهما رواحلهم وأثبتوا في مستنقع الموت أقدامهم ثم انتقض في الرابعة جمعهم واستلحقهم الموحدون وغلبوا عليهم وغنموا أموالهم وأسروا رجالهم وسبوا نساءهم واتبعوا أدبارهم إلى محصن سبتة ثم راجعوا من بعد ذلك بصائرهم واستكانوا العز الموحدين وغلبهم فدخلوا في دعوتهم وتمسكوا بطاعتهم وأطلق عبد المؤمن أسراءهم ولم يزالوا على استقامتهم ولم يزل الموحدون يستفزونهم في جهادهم الأندلس وربما بعثوا إليهم في ذلك المخاطبات الشعرية فأجازوا مع عبد المؤمن ويوسف ابنه كما هو في اخبار دولتهم ولم يزالوا في استقامتهم إلى أن خرج عن الدولة بنو غانية المسوفيون أمراء ميورقة أجازوا البحر في أساطيلهم إلى بجاية فكسبوها سنة احدى وثمانين وخمسمائة لأول دولة المنصور وكشفوا القناع في نقض طاعة الموحدين ودعوا العرب بها فعادت هيف إلى أديانها وكانت قبائل جشم ورياح وجمهور الأثبج من هؤلاء الهلاليين أسرع إجابة إليها ولما تحركت جيوش الموحدين إلى إفريقية لكف عدوانهم تحيزت قبائل زغبة إليهم وكانوا في جملتهم ولحق بنو غانية بفاس ومعهم كافة جشم ورياح ولحق بهم جل قومهم من مسوفة وإخوانهم لمتونة من أطراف البقاع واستمسكوا بالدعوة العباسية التي كان أمراؤهم بنو تاشفين بالمغرب يتمسكون بها فأقاموها فيمن إليهم من القبائل والمسالك ونزلوا بفاس وطلبوا من الخليفة ببغداد المستنصر تجديد العهد لهم بذلك
(٢٠)