عرفا، وخروجه منه يدخله في الصدق، إذ اختلاف الحروف إنما هو باختلاف المخارج. بل المخرج لكل حرف ما يصدق مع الخروج عنه أنه هذا الحرف عرفا، سواء كان متسعا، كمخرج التاء المثناة الفوقانية، والجيم، والدال، والكاف، وغيرها، حيث إنه يمكن إخراجها من أصول مقاديم الأسنان العليا إلى أواخر الحنك، أو لا، كمخرج الباء الموحدة، والفاء، والميم، ونحوها، ولا يلزم بعد الصدق العرفي الاخراج من موضع معين من المخارج المتسعة كما يقوله القراء، لعدم الدليل.
والمناط في الحروف التي لم ترد في لسان العجم - وهي الثاء، والذال، والصاد، والضاد، والطاء، والظاء والقاف، ولذا لا يعرفون مخارجها ولا يميزونها في التكلم عن السين، والزاي، والغين - عرف العرب، فيجب أداؤها بحيث لو سمعها العرب حكم بكونها هذه الحروف، فالعجم لا يميز في التكلم بين ألفاظ:
ذل، وزل، وضل، وضل، فيجب في التكلم بواحد منها أن يكون بحيث لو سمعها العرب حكم بأنه أيها، ولا يتحقق ذلك إلا بإخراجها من مخارجها المقررة عند العرب، ولا تكفي التفرقة بينها بفرق اختراعي، فاللازم تعلم مخارجها من أهلها ومنهم القراء، فيلزم الأخذ منهم قطعا لو لم يتمكن من التعلم من العرب.
ثم إن من الحروف ما يظهر بمجرد وصول الهواء الصوتي بمخرجه وهي غير الحروف المتقلقلة، كالخاء (1) والعين وغيرهما، فلا يلزم فيها غير الايصال المذكور.
ومنها ما لا يكفي فيه ذلك، بل يلزم في ظهوره بحيث يصدق التكلم به عرفا من مجاوزة الهواء الصوتي عن مخرجه بعد الوصول إليه وهو المراد بالتقلقل، وهي الحروف المتقلقلة، فالظاهر لزوم التقلقل فيها، فلو اكتفى بوضع اللسان على مخرج الدال مثلا من غير رفعه عنه لم يكف في أدائها بل يلزم التقلقل.
وما ذكر هو القدر اللازم في مادة الحروف.