الحكم بها إنما هو لأجل الملاك المتحقق فيها، إذ لا يعقل أن يصدر من الحاكم حكم متعلق بشئ من دون أن يكون ملاك ذلك الحكم متحققا فيه.
وهذا نظير الإرادة التكوينية المتعلقة بالأفعال الخارجية، فإنه كما لا يعقل تعلق الإرادة بشئ من دون حصول مبادئها من تصور ذلك الشئ والتصديق بفائدته وغيرهما فكذلك لا يعقل البعث إليه مثلا من دون أن يكون فيه خصوصية مقتضية له وحيثية موجبة لتحققه، وحينئذ فبعدما كان المفروض أن المقارنات الوجودية والملازمات العينية مما لا مدخلية لها أصلا في ثبوت الملاك المقتضي للبعث أو الزجر، ضرورة أنه لو كان كذلك لكانت الطبيعة متقيدة بها متعلقة للأمر أو النهي، والمفروض خلافه، فلا يبقى مجال لتوهم سراية الحكم من الطبيعة إليها أصلا، كما هو أوضح من أن يخفى.
المقدمة الثانية: أن معنى الإطلاق ليس عبارة عن لحاظ سريان الحكم إلى جميع الخصوصيات والأفراد بحيث كان معنى قوله: أعتق رقبة، مثلا راجعا إلى قوله: أعتق رقبة سواء كانت مؤمنة أو فاسقة، لأنه - مضافا إلى أنه لو كان معنى الإطلاق ذلك يلزم عدم الفرق بينه وبين العموم كما لا يخفى - يرد عليه: أنه لا يعقل أن تكون الطبيعة مرآة للخصوصيات وحاكية لها، ضرورة ثبوت المبائنة بينها وبين تلك الخصوصيات في عالم المفهوم، فكيف يمكن أن يكون لفظ الإنسان مثلا حاكيا عن الطول والقصر مثلا مع أنهما مفهومان متغايران.
فالتحقيق أن لفظ الإنسان لا يحكي إلا عما جعل ذلك اللفظ موضوعا بإزائه، وهو طبيعة الإنسانية، بل الإطلاق عبارة عن عدم مدخلية شئ من القيود في متعلق الحكم، فإن المتكلم المختار بعدما فرض كونه بصدد بيان تمام متعلق حكمه ومع ذلك لم يأخذ شيئا من الخصوصيات ليستكشف العقل أن هذا تمام موضوع حكمه، ولا مدخلية لشئ آخر فيه أصلا، ففي الحقيقة لا يكون