أقسام الواجب الكفائي والتحقيق في المقام أن يقال: إن الواجب الكفائي على أقسام:
منها: ما لا يكون للطبيعة المأمور بها إلا فرد واحد بمعنى أنه لا يعقل تحققها بعد وجود فرد واحد منها، كقتل ساب النبي ودفن الميت وأمثالهما.
ومنها: ما يكون لها أفراد متعددة ووجودات متكثرة بمعنى أنه يمكن أن تتحقق الطبيعة بعد تحقق فرد واحد منها كالصلاة على الميت ونحوها.
وعلى التقدير الثاني قد يكون المأمور به هو الفرد الواحد منها، وقد يكون هو صرف وجودها الصادق على الأفراد المتعددة، وعلى التقديرين قد يكون الفرد الآخر أو صرف وجودها الآخر مبغوضا للمولى، وقد يكون لا محبوبا ولا مبغوضا، وعلى التقادير قد يكون المكلف هو صرف وجوده وقد يكون هو الجميع.
إذا عرفت ذلك، فنقول: أما إذا لم يكن للطبيعة المأمور بها إلا فرد واحد ووجود فارد، فلا معنى لأن يكون التكليف فيه متعلقا بكل واحد من المكلفين أو بصرف وجوده، إذ من الواضح أن البعث إنما هو لغرض الانبعاث، ولا يعقل أن ينبعث المكلفين إلى عمل لا يمكن تحققه إلا من واحد منهم، وهل يعقل أن يأمر المولى عبيده بشرب الماء الموجود في الإناء الذي لا يمكن تحققه إلا من واحد من عبيده؟ هكذا لو كان التكليف متعلقا بصرف وجود المكلف، لأنه يصدق على الجميع أيضا، فلابد إما أن يقال بكون الخطاب في أمثال المثال مشروطا بعدم إتيان الآخر به، وإما أن يقال بالنحو الذي ذكرنا في الواجب التخييري، غاية الأمر أن التخيير هاهنا بالنسبة إلى المكلف وهناك بالنسبة إلى المكلف به، وإما أن يقال بأن المكلف إنما هو واحد من الأناسي المنطبق على جميعهم.