حول التضاد بين الأحكام الخمسة وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أن مقتضى التحقيق هو القول بالجواز ولو سلم ثبوت التضاد بين الأحكام، كما هو الشائع، مضافا إلى أنه لا نسلم ذلك أصلا.
توضيحه: أن الضدين عبارة عن الماهيتين النوعيتين المشتركتين في جنس قريب مع ثبوت الاختلاف والبعد بينهما، كما في تعريف المتقدمين من الحكماء، أو غاية البعد والاختلاف، كما في تعريف المتأخرين منهم، وحينئذ فنقول: إن كان الحكم عبارة عن الإرادة المظهرة، فلا ينطبق عليه تعريف الضدين أصلا، لأنه حينئذ ماهية واحدة، وهي حقيقة الإرادة المتحققة في جميع الأحكام، ضرورة أنها بأجمعها أفعال للمولى مسبوقة بالإرادة بلا فرق بين الحكم التحريمي والوجوبي من هذه الجهة وإن كان متعلق الإرادة في الأول هو الزجر، وفي الثاني هو البعث، إلا أن ذلك لا يوجب الاختلاف بينهما، لأن قضية تشخص الإرادة بالمراد هو كون اختلاف المرادات موجبا لتحقق أشخاص من الإرادة، ولا يوجب ذلك تعدد حقيقة الإرادة وماهيتها، كما هو واضح.
فاعتبار كون الضدين مهيتين يخرج الإرادة وأمثالها من الحقائق بالنسبة إلى أفرادها عن التعريف كما لا يخفى.
وإن كان الحكم عبارة عن نفس البعث والزجر المتحققين بقول: إفعل ولا تفعل، مثلا، فهو أيضا خارج عن التعريف، لأنه - مضافا إلى أن البعث في الوجوب والاستحباب على نهج واحد، غاية الأمر ثبوت الاختلاف بينهما في إرادته حيث إن الوجوب عبارة عن البعث الناشئ من الإرادة القوية، والاستحباب عبارة عن البعث الناشئ عن الإرادة الضعيفة، وكذا الزجر في الحرمة والكراهة، فإنه فيهما على نحو واحد والاختلاف إنما هو في إرادته،